30 آذار «يوم الأرض». من يتذكّر من العرب من المحيط إلى الخليج، هذا التاريخ وتلك الذكرى؟!
مَن يده في الماء ليس كمن يده في النار، لا يمكنه أن يرى النار البعيدة التي لا تحرق يديه، كما تدمي الفلسطينيين وتوجّعهم.
عام 1976، صادرت إسرائيل 21 ألف دونم، فاشتعلت الضفة اعتراضاً، وسقط ستة شهداء وعشرات الجرحى، وبقيت إسرائيل على قرارها فهجّرت الآلاف من الفلسطينيين، واستقدمت الآلاف من اليهود، وتابعت تهجير الفلسطينيين واستكملت استيلاءها على 85 في المئة من أرض فلسطين. العجز العربي، والصمت الدولي إلى درجة الموافقة وحتى الدعم، دفع إسرائيل للتمدّد ونشر الاستيطان على حساب الشعب الفلسطيني.
غداً، تبدأ «مسيرة العودة الكبرى» من غزّة. الاستعدادات تكاد تكتمل. مئات الخيام نُصبت، والتجهيزات الضرورية والمناسبة بُنيت. المخيِّمون والسائرون، سيبقون حتى الذكرى السّبعين للنكبة في 15 أيار. سنة بعد سنة، يدفع الاحتلال وشراسته، الفلسطينيين إلى استنباط أساليب ووسائل للمقاومة لتأكيد رفض اغتصاب الأرض واستيطانها. وغداً سيسقط شهداء وجرحى أمام السياج الفاصل بين الاستيطان الإسرائيلي والمليونين من أهل غزة المقيمين على أرض لا تزيد مساحتها عن 350 كيلومتراً مربّعاً. الجنرال غادي أيزنكوت رئيس الأركان الإسرائيلي هدّد بأن مائة من قنّاصي الجيش الإسرائيلي نشروا لمواجهة أي خرق للسياج.
ستواجه إسرائيل أيضاً أهل الضفة والقدس بعد أن أصدرت أمراً بالسماح للمستوطنين بتدنيس باحة المسجد الأقصى. ستقع مواجهات وسيسقط ضحايا. المهم أنّ الاحتلال قائم والمقاومة مستمرّة.
المأساة أنّ الفلسطينيين، سيواجهون وحدهم. العرب في خبر كان. ليس المقصود رد الفعل الرسمي، وإنما حتى الشعبي. الشعوب العربية غارقة في المصائب التي هطلت عليها، سواء في حروب داخلية، أو في «حروب بالوكالة»، هدفها الأساسي اقتطاع مواقع للنفوذ والانتشار. الأسوأ، أنّه لا تبدو في الأفق بادرة واحدة ولا حتى شعاع من الأمل للخروج من مستنقعات العجز. تمزيق الوطن العربي مستمر وصولاً حتى «زنقه، زنقه»!
سوريا تحوّلت اليوم إلى أمّ الكوارث. تمزيقها مستمر. حالياً: روسيا وأميركا وتركيا وإيران يتابعون تمزيقها. هذه الدول – القوى، تقرّر، فتستمر المعارك. في الرابع من الشهر القادم، سيجتمع زعماء روسيا وإيران وتركيا، للتشاور حول مستقبل سوريا. سيدرس الزعماء الثلاثة طبيعة «الإصلاح الدستوري». هؤلاء الثلاثة الذين لا يعرفون الشعب السوري، سيقرّرون الدستور الذي سيخضع له. حتى عندما كانت سوريا في مطلع استقلالها تولى السوريون صياغة دستورهم عام 1951. ترأس سعيد حيدر نائب دمشق وابن بعلبك لجنة صياغة الدستور الجديد، الذي شكّل بداية الديموقراطية ونهايتها، لأنه بعدها كرّت سبحة «العسكر» حتى استولى البعث على السلطة وزرع التفرقة بين أبناء الشعب الواحد، بعد أن نشر «العسكر الأسدي» الرعب عبر الاغتيالات والمعتقلات من حلب إلى حمص وصولاً إلى بيروت.
موسكو «فخورة» بأنّها أعادت القوات السورية إلى «الغوطة»، بعدما نجحت الميليشيات المُستقدمة من إيران والعراق والباكستان وأفغانستان زائد الطيران الروسي في ذلك. جرى تهجير 128 ألف سوري من الغوطة. متى يرجعون إلى أرضهم ومنازلهم؟ لا أحد يعرف. مصيرهم معلّق مثل 11 مليون سوري أصبحوا في المخيمات خارج سوريا. نكبة سوريا ربما ستكون أفظع من نكبة فلسطين. الفلسطينيون يقاومون وسيقاومون المغتصِبين. في سوريا ماذا سيفعل السوريون الذين هُجّروا؟ المقاومة غير مسموحة لهم لأنّها ستوضع تحت خيمة «داعش».
ماذا عن العودة؟ هل ستكون مسموحة لهم؟ أم يكون ذلك بداية لحملة تهجير واسعة وتغيير ديموغرافي؟ مَن سيأخذ أراضيهم ويستوطنها؟ وهل سيكون ذلك مسموحاً دولياً؟ الغرب دعم اليهود «ليكفّر عن ذنوب تاريخية من العنصرية» كما يدّعون؟ فماذا عن هذه العنصرية الجديدة التي لا أسس لها في التاريخ الحديث والقديم معاً؟
وماذا عن العراق وتمزيقه؟ وعن أهل الأنبار؟ وتشتيتهم وخلق حالة ديموغرافية خطيرة مؤسسة على ممارسات مذهبية مليئة بالخطايا؟ فهل سيكون لكل شعب عربي يوم للأرض كما الفلسطينيين؟
في قلب هذه الجريمة الإنسانية والوطنية، تنافس «الكبار» على تحقيق المكاسب من دون الالتفات لمصائر الشعوب. عمى الطموحات يحول دون تقدير حجم براميل البارود القابلة للاشتعال والانفجار على أرض مفخّخة أصلاً بالأحقاد وبكل الأسباب لوصول النار إلى كل أنحاء الأرض.