رذاذ المطر الخفيف، لم يمنع «أوسكار» وزميله «البولدوغ» الإنكليزي، من اللعب في باحة منزل النائب وليد جنبلاط في كليمنصو. في الداخل، يحتلّ جنبلاط مكانه المعتاد في الصالون الصغير من الطبقة الأرضية ذي الأثاث الترابي الحميم، وإلى جانبه ثلاثة كتب، أحدها سيرسله هديّة لسمير حمّود، رئيس هيئة الرّقابة على المصارف.
كيف حال هذه الهيئة؟ يجيب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي: «الله يعينهم. في الدولة كلّ شيء معطّل، لا هيئة تفتيش مركزي، لا ديوان محاسبة ولا هيئة إدارة للمناقصات. هي موجودة، لكنّهم لا يريدون لها أن تعمل».
لكّن الجميع يقول إنه يريد للدولة أن تعمل، وكل الطبقة السياسية، بما فيها أنتم تتحدثون عن مكافحة الفساد. «حكي، كلّه حكي. الفساد في لبنان لا يكافح. هو أصلاً يسيطر على بعض الطبقة السياسية. كلّ الطبقة السياسية، حتى لا يزعل أحد، حتى الكتل التي أتت إلى السلطة تحت عنوان مكافحة الفساد، فاشلة».
هل تقصد تكتل التغيير والإصلاح؟ «نعم، أقصدهم». برأي جنبلاط، مكافحة الفساد، تتطلّب إرادةً وظروفاً كتلك التي واكبت تجربة القاضي الإيطالي أنطونيو دي بييترو قبل 20 عاماً، وقاضٍ إيطالي آخر نسي اسمه. لكنّ هذه التجربة تصلح في إيطاليا وليس في لبنان. يقول لـ«الأخبار»:«هناك شخصان في لبنان، كانا يقدّمان أفكاراً للحلول، نسيب لحّود، توفّي، و(النائب) أنور الخليل الذي طرح في التسعينيات توحيد سلسلة الرتب والرواتب». يعطي جنبلاط بواخر الكهرباء المنشودة مثالاً على صعوبة مكافحة الفساد، «قصة البواخر، بوارج الكهرباء، معقولة؟ لو بدأنا ببناء معامل منذ سنة، لكان موعد الانتهاء منها صار قريباً. لكنهم يصرّون على البواخر».
الحريري ما بيطلع من جبران
بالنسبة إليه، ما يحصل اليوم هو توغّل أكثر فأكثر في المحاصصة الطائفية. «معقول إيقاف التعيينات في مأموري الأحراج؟ وفي موظفي الطيران؟ بذريعة التوازن الطائفي؟ التوازن الطائفي لا يشمل إلا الفئة الأولى، حسب الطائف، أين مجلس الخدمة المدنية؟ المشكلة أن (رئيس التيار الوطني الحر) جبران باسيل حاكم بأمره، هو الآمر الناهي اليوم، و(الرئيس سعد) الحريري لا يردّ له طلباً. ما بيطلع من جبران».
هل يملك باسيل مشروعاً أم أن الأمر عابر؟ «نعم يملك مشروع الوصول إلى رئاسة الجمهورية. الآن الرئيس (ميشال) عون موجود. لكن ما يحصل يؤشّر إلى المستقبل».
هل يمكن مكافحة الفساد من دون تغيير النظام الحالي؟ يردّ جنبلاط بثقة: هذا النظام لا يمكن أن يتغيّر. هو أقوى نظام في المنطقة، حتى أقوى من نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد. ائتلاف بين طوائف. لكنّهم يضربون اتفاق الطائف الآن، من دون بدائل».
هل يمكن أن تكون «اللامركزية الإدارية الموسّعة» هي الحلّ كما يسوّقون؟ «أوف على اللامركزية الموسّعة. إنه طرح قديم جدّاً، بدأ بطرح التعددية الحضارية في الـ 1975. الضمانة الوحيدة هو الرئيس نبيه بري، حاربنا معاً وسويّاً هذه المشاريع التقسيمية، في السياسة والعسكر».
خائف على أبو فاعور
وعلى سيرة رئيس المجلس النيابي، يقول جنبلاط «يا ريت عندي حليفين مثل الرئيس نبيه بري. وفيّ ومخلص ورجل دولة. في بيروت، قال لن نرشّح أحداً ضد مرشّح وليد جنبلاط (عن المقعد الدرزي) وقد وفى بوعده». ويضيف: «متفاهم بالكامل مع حزب الله وحركة أمل، واختلافاتنا موضعية وبسيطة».
خائف على الوزير وائل أبو فاعور؟ «خائف نعم. خائف أن يصوّبوا على المقعد الدرزي في راشيا. وفي حاصبيا ممكن أن يركّزوا على الدرزي، لكن لا خوف. تمسّكت بترشيح أنطوان سعد (المقعد الماروني في البقاع الغربي) حتى اللحظة الأخيرة. اتصل بي الحريري ثلاث أو أربع مرّات، كذا مرّة، لم أعد أذكر. قلت له بوضوح، لا أريد أن أتحالف مع التيار الوطني الحرّ. تحالفت في عاليه والشوف وبعبدا مع ما تبقّى من تيار سيادي، لكن مع التيار العوني ما عم تركب. لم يقبلوا بأنطوان سعد. وائل قال لي لنشكّل شي لوحدنا ونؤكّد أحقيتنا بالأرثوذكسي. لم أقبل، لا أخوض انتخابات من دون تحالفات. المهم، الخوف من أن يركّزوا على الدرزي. أعتقد أن (نائب رئيس مجلس النواب السابق) إيلي الفرزلي من الممكن أن ينجح. لم أفهم القانون النسبي حتى الآن. معقد وصعب، وما حصل في عاليه والشوف من جمع في دائرة واحدة هو تخريجة معنويّة للدروز... دخيلك شو إلها معنى؟!». يضيف «هناك وديعة سوريّة على العموم ستدخل إلى المجلس النيابي. (المدير العام للأمن العام السابق) اللواء جميل السيد و(الوزير السابق) ألبير منصور في البقاع الشمالي، معقول؟ قرروا أن يضعوه محل مرشّح القومي. قيل إن القوميين لم يجدوا مرشّحاً كاثوليكياً، والفرزلي أيضاً وديعة. ولا أعرف مَنْ بعد من الودائع السورية قد يصل إلى المجلس المقبل».
كيف تسير الأمور في دائرة بعبدا؟ «جيّدة، كنت أفضل التحالف مع صلاح حنين، لكنّ (رئيس حزب القوات سمير) جعجع قال له إنه إذا نجح يجب أن ينضمّ إلى كتلة القوات. أبلغني صلاح أنه يرتاح للعمل معي، لكنه لن يرتاح في كتلة القوّات، فلم يقبل».
ماذا عن التحالف بين الوزير طلال أرسلان وباسيل؟ هل وُعد أرسلان حقّاً بوزارة الدفاع؟ يضحك جنبلاط، «لا أمانع أبداً... على العكس، علّ التوازن الاستراتيجي يتحقّق».
تقصد التوازن داخل الطائفة؟ «لا، الطائفة تفصيل صغير، أقصد التوازن مع إسرائيل»!
عون والحريري يستهدفان برّي
ماذا عن مرحلة ما بعد الانتخابات؟ هل تتوقّع تحوّلات؟ يبدي وليد جنبلاط تخوفه ممّا يسمعه. وصلت إليه معلومات بأن معركة رئاسة مجلس النّواب لن تكون سهلة. «هناك استهداف واضح للرئيس نبيه برّي من قبل التيار العوني، وهناك تناغم من الحريري مع هذا الأمر. هذا سيئ جدّاً».
هل الرئيس برّي وحده مستهدف؟ ماذا عنك؟ «استهدافي تحصيل حاصل. لكنّ الرئيس برّي ركيزة أساسية في البلد، الله يطوّل بعمره. استهداف برّي ممنوع من قبل حزب الله ومن قبلنا، وأعتقد أن جبران باسيل وصلت إليه رسالة بهذا الخصوص».
لكن حزب الله وحركة أمل يقولان إنهما يعملان لضمان المقاعد الـ 27 الشيعية. يردّ جنبلاط: «نعم، عفاهم، حتى لا يتركوا مجالاً للّعب».
ماذا عن مسألة فصل النيابة عن الوزارة؟ «الأمر متعلّق بلعبة الوزارات السيادية وغير السياديّة. لا أعتقد أنهم يستطيعون أخذ وزارة المالية».
هل سينضم الوزير السابق ناجي البستاني إلى كتلتك؟ «نعم، لا مشكلة أبداً مع ناجي، كتلتي أصلاً مفتوحة وليست كتلك المقفلة. والدليل ما حصل أيام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. خرج (النواب) مروان حمادة وفؤاد السعد وهنري حلو وأنطوان سعد اعتراضاً على ترك الحريري وخيار ميقاتي. للأسف، لم يحفظوها لأنطوان (سعد) هذه المرّة في البقاع الغربي ــ راشيا».
لماذا لم توقّع اتفاقية التعاون العسكري مع روسيا؟ «لا أعرف، لكن لماذا نوقّعها؟ بالانتهازية، أميركا تعطي الجيش أسلحة دون مقابل. والجيش لن يستطيع مواجهة إسرائيل. طول عمرها الشرطة الداخلية منيحة».
لكن الروس يقولون إنهم سيزوّدون الجيش بأسلحة تردع إسرائيل.
يردّ جنبلاط: «لا أعتقد أن أحداً سيفعل هذا بالتوازنات الحالية. بالوضع الحالي ماشي الحال. سلاح حزب الله موجود، وإذا كان هناك من ضمّ لهذا السلاح إلى الجيش، فسيكون له ثمن سياسي وبناءً على مفاوضات بين إيران وأميركا... إن حصلت مفاوضات».
الأسد يربح ولكلّ دولة «دواعشها»!
ماذا يحصل في الإقليم؟ يجيب بأن «الأمر متوقّف على ما يفعله (الرئيس الأميركي) دونالد ترامب في الإدارة الأميركية، وهل ستتهور وتفتعل حرباً مع إيران. لا أعرف. الوضع ليس مطمئناً».
هل تخشى من حربٍ إسرائيلية على لبنان؟ «لا مؤشّرات جديّة للحرب، لكنّ الأمر مرتبط بما يريده الأميركيون. سيناريو 2006، صحيح أنه سيكلّفنا غالياً لكنه سيكون مكلفاً أيضاً على إسرائيل ولن يغيّر شيئاً. أستبعد الحرب الآن».
هل تريد التحدّث عن سوريا؟ يجيب رئيس الاشتراكي «للأسف، في سوريا، بشار الأسد يربح بدعم الروس والإيرانيين. الروس استغلوا التصعيد الأميركي ضدّهم وردّوا في الميدان وهم قادوا المفاوضات مع المسلّحين بأنفسهم، وأخرجوهم. الروسي ساير التركي في عفرين، لكنْ هناك ثمن سيدفعه التركي بتصفية المسلّحين في إدلب. هناك أيضاً مسألة منبج، هي غرب الفرات. الأميركي لن يزعّل التركي في منبج، لكن على التركي كما قلت تصفية المسلحين».
كيف سيتأثر الأكراد بهذه العمليّة؟ «غريبة هذه اللعنة على الأكراد منذ مئة عام. كان هناك مشروع جدّي هو مشروع (مسعود) البرزاني، حاول أن يفعل كما فعل والده بمساعدة الروس، قبل أن ينقضّ عليه صدام حسين بالتوافق مع الروس. ما فعله أخيراً كان غلطة، ربّما أُعْطِيَ نصائح خاطئة، لكنّه خرج من الأزمة بشرف. الآن، العراقيون سيدخلون إلى سنجار ويخرج منها الكرد. غير واضح ما سيحصل في مناطق الكرد في سوريا. أصلاً ليست كلّها مناطق كردية، مثل الحسكة والرّقة. كيف سيحكمونها؟».
ثمّة أمرٌ آخر يؤشّر إليه جنبلاط: «لماذا هذا النقل لداعش من منطقة إلى منطقة، ماذا يحضّرون؟».
هل تشير إلى ما فعله حزب الله في الجرود الشرقية؟ يضيف: «قبل حزب الله، الأميركيون فعلوا ذلك، حتى عندما كانت الرقة محتلة كانت المروحيات تهبط وتأخذ دواعش إلى أماكن أخرى. الأميركيون يأخذون جماعتهم، والبريطانيون والفرنسيون. لكلّ دولة دواعشها».
هل تتابع الملفّ الفلسطيني؟ يردّ جنبلاط: «على الرغم من كلّ شيء، (الرئيس الفلسطيني) محمود عبّاس سينهي حياته مثل الراحل ياسر عرفات. لا أعرف إذا كانوا سيفعلون له شيئاً، لا يُحسد الفلسطينيون وأهل غزّة على وضعهم، والقلق من صفقة القرن التي تحضّر. هناك مشروع وسخ اسمه محمد دحلان».
مؤتمر «البلح»
ما رأيك بمؤتمر «سيدر» (باريس 4)؟ يضحك وليد جنبلاط طويلاً قبل أن يجيب، «سمّوه سيدر، الأرز، ما إلهم عين يسمّوه باريس أربعة، على قدّ ما كان باريس 3 ناجح. يحلّوا عن شجر الأرز. فليسمّوه مؤتمر البلح. منيح البلح». برأيه هناك تجربتان إصلاحيتان ناجحتان حصلتا قبلاً، عندما «أصلح (النائب) غازي العريضي مسألة موظفي الإعلام، ولا أعرف الآن ماذا يحصل، والإصلاح الثاني فعله محمد الحوت في شركة الميدل إيست».
بالنسبة إليه الدولة أصلاً، «ما بتحترم حالها. معقول قصّة (زياد) العيتاني وسوزان الحاج؟ غريبة، عجيبة، مسألة صراع سياسي وأجهزة أمنية. يجب أن يكون ملفّ مكافحة التجسّس محصوراً بالمخابرات العسكرية والأمن العام، وربّما فرع المعلومات».
وأمن الدولة؟ يردّ جنبلاط: «هذا الجهاز اخترعناه بعد مؤتمر لوزان (1983) لكي يكون للمسلمين جهاز أمني. كان عند الشيعة، ولا أعرف كيف وصل للكاثوليك»