تبدو الحكومة في مواجهة العاصفة التي تقترب بسرعة وتهدّد بانهيار ماليّ واقتصادي، كمن يحارب الريح بالريح، وهي بدلاً من بدءِ مسيرة الإصلاح الحقيقي لتفادي الهاوية، تحاول شراءَ الوقت بأيّ ثمن، والثمنُ هذه المرّة أنّها تمدّ يدَها على آخِر حصنٍ منيع يمكن أن يحميَها من الإفلاس.

هكذا يمكن توصيف الهندسات المالية التي تبشّر بها الحكومة لخفضِ كلفةِ خدمة الدين العام. وما تفعله في الواقع أنّها تنقل جزءاً من هذا العبء من الخزينة إلى مصرف لبنان، وتُحمّله الخسائر بدلاً من أن تتحمّلها المالية العامة، والخسارة ستعود في النتيجة إلى الخزينة لأنّ 80 في المئة من أرباح المركزي ينبغي أن تذهب إلى الخزينة.

ما تفعله الحكومة، حسب تعبير مصدر مصرفي، هو بمثابة «أدوية تؤخّر الموتَ لأيامٍ أو ساعات، لكنّها تجعله حتمياً. وكالذي يقوم بخطوات عشوائية قبل إعلان الإفلاس».

وتتساءل المصادر المصرفية عن مصدر العملات الأجنبية التي سيَستخدمها مصرف لبنان في عملية مبادلةِ السندات وعن قيمة الفوائد الفعلية المترتّبة عليه عن تلك الأموال التي سيقرضها بدوره للدولة بفائدة 1 في المئة؟

وبغَضّ النظر عن السلبيات والمخاطر التي ستوَلّدها عملية مبادلة السندات من ناحية زيادةِ مستوى الدين العام بالدولار الأميركي وإطالة أمدِ الدين العام، فإنّ إصدار سنداتِ خزينة بالدولار بفائدة 1 في المئة واستبدالها بسندات خزانة بالليرة اللبنانية يَملكها مصرف لبنان فائدتُها 6 في المئة، ستُكبّد البنكَ المركزيّ خسائر مالية تصل إلى حوالي 250 مليون دولار سنوياً.

ويؤكّد المصدر المصرفي لـ«الجمهورية» أنّ الدولة تلعب بالنار وهي تشتري الوقتَ لكنّها بهذه الطريقة تؤكّد الانهيار. والمطلوب من الحكومة أن ترفع يدها عن مصرف لبنان، ولا تُحمّله وِزر أخطاء ارتكبَها المسؤولون وعليهم أن يتحمّلوا بأنفسهم تبعاتها.

سلقُ الموازنة

وكان مجلس النواب قد أقرّ مساء أمس مشروع موازنة العام 2018 بعد التصويت عليها مادةً واحدة بالمناداة. وأيّد قانونَ الموازنة 50 نائباً، فيما صوّت اثنان ضدّه، وامتنَع 11 نائباً عن التصويت.

ورأت أوساط مراقبة أنّ الموازنة سُلِقت سلقاً وباعتراف خبراء اقتصاديّين، لأنّها تفتقر إلى رؤيةٍ ماليّة واستراتيجيةٍ اقتصادية وتَصَوُّرٍ لنهضة لبنان، فالموازنة الحالية هي كناية عن جردةِ حساب للسنة، مداخيلَ مع مصاريف، في حين أنّها يُفترض أن تكون بمثابة استراتيجية مالية للدولة على مدى سنوات تتضمّن إصلاحات بنيوية، خصوصاً أنّ لبنان بلا موازنة منذ أعوام عدة».

واعتبَرت الأوساط «أنّ الموازنة الحالية هي نفسها الموازنة التي وضِعت في عهد حكومة الرئيس تمّام سلام، مع بعض التعديلات في الأرقام، وعقِدت 15 جلسة من أجلها وتوقّفت في منتصف الطريق في الجلسة الـ 16 لعدمِ وجود توافقٍ سياسي بين «أمل» و«التيار الوطني الحر».

وأكّدت الأوساط «أنّ الحكومة استعجَلت الموازنة بسبب مؤتمر «سيدر»، وسألت: «ما قيمة «سيدر» طالما الحكومة ذاهبة؟ كان يمكن أن ينعقد هذا المؤتمر بعد الانتخابات لكي تتولّى الحكومة الجديدة تنفيذ ما يتّفق عليه في المؤتمر، علماً أنّ «سيدر» سيكون بمثابة مهرجان دولي للبنان يُستبعَد أن يأتيَ بمساعدات عينيّة».

وقالت الأوساط: «الحكومة الحالية المنشغلة بالانتخابات وبممارسة التدخّلات، لم تستطع تأمينَ الكهرباء ولا مكافحة الفساد ولا إصلاح شبكة الطرق وحلّ أزمةِ النازحين ومعالجة المديونية العامة، فكيف ستسطيع الفوزَ بثقة المجتمع الدولي»؟

واستغرَبت الحملة على إدارة المناقصات واتّهامَها بالتسييس، وقالت: «هذا موقف سياسي ومحاولة لضربِ أهمّ مرجعية يمكن اللجوء إليها لتأمين الشفافية».

جنبلاط : الحريري خَذلني

وفي السياق الانتخابي قال النائب وليد جنبلاط لـ«الجمهورية» إنّ الحريري تراجَع عن اتفاقهما الانتخابي في البقاع الغربي «ردّاً على رفضي للتعاون مع «التيار الحر» الذي لم يترك شيئاً إلّا وفَعله في الشوف».

وما هي طبيعة مآخِذك على سلوك «التيار الوطني الحر» في الشوف؟ أجاب جنبلاط : «ما خلّوا شي.. راقب أدبياتهم التي لا علاقة لها بالأدبيات».

وأشار إلى «أنّ تصرّفات «المستقبل» و«التيار الوطني الحر» عشيّة الانتخابات توحي بأنّ هناك محاولةً لفرض حصارٍ عليّ، ربّما لحسابات تتّصل بمرحلة ما بعد الانتخابات، وقد لا يكون الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل بعيدَين من هذه الحسابات».

وهل أنتَ قلِقٌ من احتمال عدمِ قدرتِك على تكوين كتلةٍ نيابية وازنة؟

إبتسَم جنبلاط قائلاً: «عندما أسقَطنا، أنا وصديقي نبيه بري، اتّفاق 17 أيار لم نكن نوّاباً.. الوزن لا علاقة له بعدد النوّاب فقط». (التفاصيل في مقالة الزميل عماد مرمل في الصفحة 5).

فرنجية

مِن جهته، سأل رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية: «ماذا حقّقَ العهد حتى الساعة»؟ وقال: «إنّ الرئيس القوي يجب أن يكون الجامعَ لكلّ اللبنانيين، وأن يلتفَ المواطنون حوله من الجنوب إلى الشمال، إنّما أن يتدخّل بالانتخابات وبتركيب اللوائح فهذا أمرٌ غير مقبول».

وأوضَح أنّ تحالفات «المردة» الانتخابية كانت على أساس المبدأ وليس المصلحة، مشيراً إلى أنّ قانون الانتخاب الجديد» كشَف نوعية الناس وصَنّفهم بين مبدئي أو صاحب مصلحة» وأنّه «قد يَدفع الأخ إلى طعن أخيه». ورأى أنّ التشاطر أو التآمر سيكون سيّد الموقف بعد الانتخابات، ولفتَ إلى أنّ العديد من المرشّحين وُعِدوا بوزارات بعد الانتخابات. ورأى أنه في 7 أيار ستكون هناك مفاجآت وخصوصاً في احتساب الكسور.

وقال فرنجية إنّ « التيار الوطني الحر» وجَد مساحةً مشتركة مع «الجماعة الإسلامية» وصولاً لتيار «المستقبل» وغيرِه، إلّا أنّه لم يجد مساحةً مع الأحزاب المسيحية، ويَعتبر أنّه يمثّل المسيحيين، ولكن لا يمكن تمثيلُ المسيحيين بالسلبية، فهُم مَن تخَلّوا عن حلفائهم وليس الحلفاء هم الذين تخلوا عنهم، لقد اختلفوا مع الجميع ومن كان معهم أصبح ضدّهم وانتقلوا من محاربة الإقطاع إلى حزب العائلة، ومِن محاربة الفساد إلى تمرير الصفقات، متسائلاً: لماذا يتمسّكون بموضوع يكلّف 700 مليون دولار ويريدون استئجارَه بمليار دولار».

وأكّد أنّ «لدينا قدرة على الاستيعاب، إنّما ليس لدينا قدرة على الانبطاح، واليوم مطلوب الانبطاح، ونحن لم ولن ننبطح أمام أحد، أمّا الاستيعاب فنَعتمده من أجلِ مشروعنا السياسي ومن أجل لبنان».

ريفي
وكشَف اللواء أشرف ريفي لـ«الجمهورية» أنه أنجَز الجهوزية السياسية واللوجستية والشعبية لخوضِ الانتخابات في دوائر بيروت الثانية، طرابلس - المنية - الضنّية وعكار، وأنه سيعلن اللوائحَ تباعاً، السبت في عكّار، الأحد في بيروت، والاثنين في طرابلس».

وقال ريفي: «سنشارك كذلك في دعوةِ الناخبين في دوائر عدة للاقتراع في مواجهة لوائح النظام السوري و«حزب الله»، وأخصّ الآن بالتحديد دائرتَي البقاع الغربي وبعلبك الهرمل. أمّا باقي الدوائر، فسنعلن موقفَنا منها في وقتٍ لاحق».

وفي سياقٍ خطير آخر، قال المتحدّث الرسمي باسمِ «تحالف دعم الشرعية» في اليمن، العقيد الركن تركي المالكي خلال حوار بثّته قناة الـ cnn الأميركية إنّ الصواريخ الباليستية التي يطلِقها الحوثيون تمَّ تهريبها إلى داخل اليمن من الضاحية الجنوبية في بيروت وليس من اليمن، حيث نقِلت عبر سوريا إلى إيران، ثمّ أرسِلت بَحراً بواسطة ما يسمّى القارب الأم، أو السفينة الأم، إلى اليمن.