واشنطن لن تجد من يدعمها لشن حرب عسكرية على إيران، وتصعيد طهران في الخارج يقابله اتساع الاحتجاجات في الداخل
 

منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعيين جون بولتون مستشارا للأمن القومي خلفا لهربرت ماكماستر، ما انفكت طبول الحرب تدق وتكرر الحديث عما ينتظر العالم من حروب أخرى هددت بإشعالها المؤسسة الأميركية منذ زمن. واتجهت أغلب الصحف والمجلات الأميركية الدولية نحو سرد السيرة الذاتية لجون بولتون وعلاقته بالحرب الأميركية على العراق.

وانضم بولتون إلى فريق يضم عدة شخصيات قوية، بما في ذلك نيكي هالي ومايك بومبيو ووزير الدفاع جيمس ماتيس، ما يعني أنه لن يستطيع أن يستحوذ على مشورة الرئيس وحده وتصوراته قريبة من رؤى بقية الصقور، ويتشاركون موافقة متشابهة في ما يتعلق بملفات روسيا وكوريا الشمالية والاتفاق النووي مع إيران وسياستها في الشرق الأوسط وتدخلاتها في الأزمات الإقليمية المختلفة.

وعند النظر إلى هذه التركيبة لا يبدو احتمال اندلاع حرب جديدة في المنطقة مستبعدا. وكتب مؤيدا هذا التوجه، ستيفن والت العلاقات الدولية، في مجلة فورين بوليسي، قائلا “مرحبا بعودة إدارة ديك تشيني (نائب الرئيس الأميركي الأسبق)”، مشيرا إلى أن ترامب يحظى بمستشار يرى الحرب حلا لكل المشكلات.

وذهب متابعون آخرون إلى القول إن نيكي هايلي، المندوبة الأميركية الدائمة في الأمم المتحدة، تشكل الوجه الأكثر واقعية للدبلوماسية الأميركية، والتوجهات العامة في السياسات الدولية التي تتجه أكثر نحو الدبلوماسية الهجومية التي تبدأ من التصريحات وقد تصل إلى الحرب العسكرية. وفي المقابل، ترى مجموعة أوراسيا الاستشارية، أن  تعيين بولتون وبومبيو قد يشجع إيران على تصعيد أنشطتها لإظهار قدرتها واستعدادها للعمل على إضعاف الولايات المتحدة وشركائها.

تصعيد إيراني
تعمل إيران جاهدة على الاستفادة بأكثر قدر ممكن من المرحلة الراهنة. ونشطت الأدوار بشكل كبير في الفترة الأخيرة حيث تبدو أدوارها واضحة في التصعيد في العراق كما في لبنان واليمن.

وترى إيران أن ما يحدث حاليا لا يختلف كثيرا عما حدث في عامي 2002 و2003، مع عودة بعض رموز إدارة جورج بوش إلى الواجهة من جديد، مثل بولتون الذي يتبنى فكرة الإطاحة بالنظام ويرفض استمرار العمل بالاتفاق النووي.

 
يستفيد النظام الإيراني كثيرا من طبول الحرب التي تدقها جهات أميكرية منذ تعيين ترامب لجون بولتون مستشارا للأمن القومي، فليس هناك أفضل من الترهيب بالحرب ومصير العراق لإسكات الإيرانيين الغاضبين من نظامهم الذي يعرف أن المواجهة العسكرية معه، أمر مستبعد حتى أن إدارة ترامب لم تشر إلى ذلك من قبل، لكن الخوف الأكبر من المزيد من العقوبات الاقتصادية التي ستربكه وتعيق مشاريعه خاصة دعم الميليشيات التابعة لإيران في لبنان واليمن

لكن، النظر بين سطور ما يجري يظهر أن التغيير الجديد في الإدارة الأميركية جاء في وقت مناسب بالنسبة لإيران، التي تعيش على وقع غضب شعبي عارم، حيث وجهت إيران الاهتمام نحو خطر أنها ستكون الدولة التالية في قائمة الدول التي يمكن أن تتعرض لعمل عسكري بعد العراق.

وقد يفرض أي تدخل خارجي في هذا الصدد تداعيات عكسية في صالح النظام، على غرار ما حدث في الاحتجاجات الأخيرة، عندما استغل الدعم الذي قدمه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لاتهام المحتجين بالارتباط بجهات خارجية والعمل على تقويض دعائم النظام بمساعدة الولايات المتحدة ودول أخرى.

لكن، الولايات المتحدة ما كانت قادرة على غزو العراق لولا المساعدة الدولية التي قدمها الحلفاء، وأيضا إيران، ولا يوجد في الظرف الحالي من الدول، الأوروبية والعربية، من يستطيع القيام بالدور نفسه في حال إذا ما قررت إدارة ترامب استخدام الخيار العسكري للتعامل مع طهران.

حتى تلك الدول التي تتعرض لتهديدات إيرانية مباشرة، مثل السعودية، وكان آخرها الصواريخ الباليستية التي قام الحوثيون بإطلاق عدد جديد منها في 25 مارس الجاري، وتصدت لها منظومة الدفاع الجوي، لا يبدو أنها متحمسة لاحتمال اندلاع حرب جديدة في الخليج. وتتعدد أسباب العزوف عن تعزيز فرص نشوب مواجهة عسكرية أخرى، فمن شأن هذه الحرب أن تدفع أكثر نحو الاضطرابات والفوضى في المنطقة المتخمة في الأساس بعوامل التأزم والاحتقان.

ويتعارض ذلك مع السياسات التي تتبناها الدول العربية الداعية للاستقرار ومكافحة الإرهاب التي ترى أن الفوضى التي أنتجها الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 تمثل أحد الأسباب التي أدت إلى ظهور تنظيم داعش وسيطرته على مساحات واسعة داخل العراق وسوريا في الأعوام الأربعة الماضية.

ولن تكرر هذه الدول ما قامت به إيران عندما استغلت إسقاط نظام طالبان في أفغانستان وصدام حسين في العراق بين عامي 2001 و2003 ودعمت نفوذها داخل الدولتين، لدرجة فاقمت من عدم الاستقرار الأمني والسياسي اللذين مازالت تعاني منهما الدولتان حتى الآن.

في المقابل، يؤكد الخبراء أنه على الأرجح ســـتعيد تجربتها مع العراق بإحكام الحصار عليهـــا وتكثيـــف العقوبـــات علـــى الاقتصاد الإيرانـــي، ومحاولة دفعهـــا إلى الانكماش في أزمـــات داخلية، بالتزامن مع دفعها نحو التصعيد الخارجي ما يساعد على خلق مناخ إقليمي يدفعها إلـــى مغـــادرة ســـاحات المعارك في ســـوريا واليمن ومحاصرة أذرعها في لبنان.

وتوحي التركيبة السياسية والمجتمعية والعسكرية لإيران بأن الخيار العسكري ضد نظامها الحاكم يمكن أن يفرض تداعيات كارثية على المنطقة بشكل عام. فمن شأن ذلك أن يفاقم من التوتر الطائفي والعرقي، الذي ساعدت سياسات النظام الحالي على تغذيته عبر إقصاء وإضعاف دور المكونات العرقية والمذهبية لصالح تكريس نفوذ الشيعة.

وتتزايد مخاطر ذلك مع الوضع في الاعتبار أن معظم هذه المكونات موجودة على أطراف الدولة، وتحديدا عند خطوط التماس مع دول الجوار، مثل أفغانستان وباكستان وأذربيجان وتركيا والعراق وبعض دول الخليج، فضلا عن أن تغيير النظام الحالي، المحمي في الداخل بسلاح الحرس الثوري وبميليشياته في الخارج، لا يعني بالضرورة تغيير السياسات القائمة. وأثبتت التجربة أن التباينات بين الأنظمة الإيرانية المتتالية لا تكمن في الاستراتيجيات وإنما في الأدوات التي تستخدمها.

لن تقتصر تداعيات تلك الحرب المحتملة على داخل إيران، بل ستمتد إلى دول عديدة بالمنطقة، خاصة الدول التي دعمت نفوذ إيران فيها، وفضلا عن التوتر العرقي والطائفي الذي ساهمت فيه سياسات إيران، فالميليشيات الموالية لها ستتحرك في تلك الحالة لرفع كلفة تلك الحرب.

تحريك الميليشيات
بدأت تلك الميليشيات بالفعل في توجيه رسائل مباشرة بأنها قد تقوم بأدوار أخرى عابرة للحدود في المستقبل لخدمة أهداف وأجندات داعمها الرئيسي، خاصة في حالة ما إذا واجه خطرا يهدد بقاءه في السلطة. وسبق أن ألمح أمين عام حزب الله حسن نصرالله إلى هذا الخيار، في رده على قرارات مجلس وزراء الخارجية العرب الذي حمّل في 19 نوفمبر 2017، الحزب مسؤولية دعم الجماعات الإرهابية في الدول العربية، مشيرا بعد ذلك بيوم واحد، إلى أن العناصر التي سيقوم الحزب بسحبها من العراق سوف تعود للالتحاق بأي ساحة أخرى تتطلب ذلك.

ويبقى سيناريو التغيير من الداخل الأفضل بالنسبة لدول المنطقة، ومع أن النظام نجح في احتواء الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت بداية من 28 ديسمبر 2017، لكنها مازالت تظهر بين حين وآخر ما يعني أن نيران الثورة ضده لم تخمد.

تعيين صقور جدد في إدارة ترامب قد يدفع  النظام الإيراني إلى تغيير سياسته التي دعمت الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة بدلا من المغامرة بالدخول في مواجهة عسكرية مكلفة

والتصعيد الأخير للميليشيات المحسوبة على إيران، ودوره في التصعيد المقابل على مستوى التصريحات الأميركية والدولية الملوحة بالمزيد من العقوبات وصولا إلى الحرب، كفيل بتجديد الاحتجاجات مرة أخرى ووصولها إلى مرحلة العمل على الإطاحة بالنظام الحالي.

وتشير خبرة تعامل إيران مع الأحداث الكبيرة التي تشهدها المنطقة في العقود الأربعة الماضية إلى أنها تقوم بتغيير سياستها إذا شعرت باقتراب الخطر من حدودها. وانعكس ذلك في تعاملها مع الغزو والاحتلال الأميركي للعراق. وبقدر ما كانت تهدف إلى التخلص من نظام صدام حسين وتعزيز النفوذ في العراق، سعت لإضعاف احتمال تعرضها لخطوة مشابهة بعد أن تم وضعها في “محور الشر” مع العراق وكوريا الشمالية.

كما أن إقدامها على إجراء مفاوضات سرية وعلنية مع الولايات المتحدة مهدت للوصول للاتفاق النووي كان الغرض منه هو “درء شر الشيطان”، حسب ما جاء على لسان المرشد الأعلى علي خامنئي.

وقد يؤدي تعيين صقور جدد في إدارة ترامب إلى تصعيد حدة الضغوط على إيران لدرجة غير مسبوقة بشكل ربما يدفعها إلى تغيير سياستها التي دعمت الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة، بدلا من المغامرة بالدخول في مواجهة عسكرية مباشرة سوف تكون عواقبها وخيمة عليها، ويظل الخيار الأكثر واقعية أن تأكل إيران نفسها من الداخل، عبر تفاقم المشكلات واتساع نطاق الاحتجاجات.

وتبدو إيران واعية بهذا السيناريو، وهو ما يقلقها حقا، حيث قال المحلل السياسي المحافظ في طهران مجتبي موسوي “في حين أن حربا عسكرية مباشرة ضد إيران سواء من قبل السعودية أو الولايات المتحدة غير مرجحة، هناك جهود لزعزعة استقرار البلاد عبر تقوية الميليشيات المسلحة وتعزيز الضغط الاقتصادي على مجتمعها”.