تتواصل الاستعدادات لانعقاد مؤتمر «سيدر» في باريس في السادس من نيسان المقبل، وتتزايد معها التساؤلات حول النتائج التي قد يفضي إليها، واذا ما كانت تصبّ في مصلحة البلد او انها ستزيد الأزمة تعقيداً، ما دامت ستزيد حجم الدين العام.

وفي هذا السياق، يذهب الوفد الحكومي الى باريس متسلّحاً بموازنة وصفها خبراء بأنها «وثيقة تفليسة» رسمية تثبت أمرين:

اولاً- انّ الدولة تتعاطى مع ملف حساس ومعقّد بتسرّع وخفّة من خلال محاولة إخفاء نسب العجز الحقيقي عن العالم، لإقناعه بإقراضها مزيداً من الأموال. ويتم ذلك من خلال تأجيل بعض المستحقات، او عبر فصل عجز الكهرباء عن عجز الخزينة.

ثانياً- انّ المسار الانحداري مستمر وبسرعة، وبالتالي ستساهم زيادة حجم الدين في تسريع الانهيار وليس العكس.

لذلك، يسود قلق مُبرّر من أن يدفع المواطن ثمن هذه السياسة الطائشة من خلال ما يُتداول في غرف مغلقة حول وصول الوضع المالي الى الخط الاحمر الذي يستوجب إجراءات لزيادة الايرادات، وبالتالي اللجوء مجدداً الى خيار فرض مزيد من الضرائب على الناس، وتعميق الفقر، والقضاء على الطبقة الوسطى.

سفر باسيل مليون دولار

وعلى نيّة المستشفيات الحكومية وإضراب موظفيها، عقد مجلس الوزراء جلسة سريعة في مدتها وجدول أعمالها. وناقش 8 بنود كان اللافت فيها البند المتعلّق بسَفر وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل مع وفد مرافق لمتابعة أعمال مؤتمر «سيدر-1» في باريس والمشاركة في مؤتمر الطاقة الإغترابية الخاص في اوروبا. وعلمت «الجمهورية» انّ كلفة مؤتمر الاغتراب مع سفر باسيل على عاتق خزينة الدولة اللبنانية تبلغ نحو مليون دولار.

أُقرّ البند في الجلسة لكنه لم يمرّ في السياسة، إذ اعترض عليه وزراء حركة «أمل» و«الاشتراكي» وتيار «المردة». وطالب الوزير مروان حمادة بالكفّ عن عقد مؤتمرات اغترابية لجَمع محازبين في تيار معين على حساب الجمهورية اللبنانية على أبواب الانتخابات النيابية، واضعاً هذا الأمر برسم الرأي العام ومشيراً الى انه سيفاتح اللجنة الانتخابية العليا في الموضوع.

وكعادته، تنطّح وزير الطاقة سيزار ابي خليل ليرد على كلام حمادة لدى خروجه من الجلسة، وقال لـ«الجمهورية»: «طلب وزير الخارجية طبيعي لأنه معني مباشرة، وانا قلت نفس الأمر لأنني معني بـ40 بالمئة من عمل مؤتمر «سيدر». واضاف: «يبدو انّ الوزير حمادة لا يزال يتصرّف وكأنه في زمن الوصاية السورية».

وكان المجلس قرّر رفع الحد الادنى للرواتب والاجور للمجلس الوطني للبحوث العلمية، ووافق على مشروع سلاسل فئات والرتب والرواتب والمستخدمين في ملاك المؤسسة العامة التي تتولى إدارة مستشفى عام، وكذلك المؤسسة العامة التي تتولى إدارة مستشفى رفيق الحريري الجامعي الحكومي، على ان يتم الأخذ بملاحظات ورأي مجلس شورى الدولة ومجلس الخدمة المدنية. كذلك وافق على تحديد موقع المنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس، وعلى ملء الشواغر في المجلس الاعلى للخصخصة.

فرنجية

في هذا الوقت، لفت النائب سليمان فرنجية، في حديث لقناة «فرانس 24»، الى انّ «التيار الوطني الحر» تحالف مع «الجماعة الإسلامية»، ومع حركة «أمل» وتيار «المستقبل».

وقال: «لقد اتفق مع أقصى اليمين وأقصى اليسار وبقيَ الخلاف مع الأحزاب المسيحية الموجودة على الساحة، فمن المسؤول عن هذا التشرذم»؟ واعتبر انّ «التيار» غَيّر حلّته ولا نعرف ماذا يفعل اليوم، خصوصاً من خلال هذه التحالفات الانتخابية»، وشدّد على ان لا أحد يستطيع إلغاء الآخر والظروف هي التي تقرر من سيكون الرئيس، فالمساحة تتسِع للجميع، والخلاف مع التيار عبثي، ولنرى من المسؤول عنه ولماذا الخلاف مع كل الأحزاب المسيحية إذا كانوا يتفقون مع الجميع.

وعن محاولات الإلغاء التي يمارسها «التيار الحر»، أجاب فرنجية: «هذا سؤال يُوجّه الى «التيار الوطني الحر»، لا أحد يستطيع الاحتكار وليستفِد من تجربة أسلافه. كلهم حاولوا الاحتكار وأدّى ذلك الى كوارث دفعوا ثمنها بدءاً من بشير الجميّل إلى ميشال عون في الثمانينات».

ولدى سؤاله عن سياسة العهد، تساءل فرنجية: «سياسة أيّ عهد، عهد باسيل أو ميشال عون؟ عندما كنّا نتحدث عن الرئيس القوي كنّا نتمنى الأفضل بكثير، نعتبر أنه يوجد رئيس «تيار وطني حر» يعمل على انتخابات لـ«التيار الوطني الحر».

وأضاف: «لم نعد نتحدث عن التمثيل المسيحي في الدولة بل نتحدث عن تمثيل «التيار الوطني الحر» وتمثيل أصحاب المصالح في عهد «التيار الوطني الحر»، الذي يعتبر أنّ من كان في العهود السابقة غير شرعي، اليوم بات شرعياً مع «التيار الوطني الحر»... نحن نرى أنه عهد «التيار» وليس عهد لبنان وقوة المسيحيين فيه».

«الكتائب» ـ «القوات»

في غضون ذلك، بدأت تداعيات التحالفات الانتخابية غير المفهومة والمناقضة لخطاب اصحابها بالظهور تباعاً، وخصوصاً في صفوف القواعد. وعلمت «الجمهورية» انّ النزاع بين الكتائب و«القوات» انتقل من مستوى القيادتين في تشكيل اللوائح الى مستوى القواعد، في محاولة «قواتية» لتظهير الاتفاق شعبياً وكأنه انتصار لرئيس الحزب سمير جعجع وهزيمة لخيار رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل المعارض.

فـ«القوات» تحاول تظهير اتفاقها مع الكتائب في دوائر: بيروت الاولى، والشمال الثالثة، وزحلة، وجزين ـ صيدا، على انه استسلام من الجميّل لشروط جعجع السياسية والانتخابية، وإقراره تالياً بصحة خياراته الرئاسية والحكومية التي سبق له أن عارضها وانتقدها وطالبَ «القوات» بالتراجع عنها والاستقالة من الحكومة كشرط للتفاهم بين الصيفي ومعراب.

كذلك تحاول «القوات» تنظيم احتفالات إعلان اللوائح لتأتي وكأنها احتفالاتها، في وقت يزداد اشمئزاز القواعد الكتائبية من الاتفاق مع «القوات» خصوصاً أنه سيصبّ انتخابياً لمصلحتها ولن تتمكن الكتائب من الاستفادة منه إلّا جزئياً في الاشرفية، في حين انه سيؤدي في جزين وزحله والشمال الى رفع الحاصل الانتخابي بما يصبّ في مصلحة مرشّحي «القوات».

ولم تتمكن القيادة الكتائبية حتى الآن من تبرير هذا الانقلاب المفاجئ في مواقفها في الساعات الـ ٤٨ التي سبقت إقفال باب تسجيل اللوائح، في وقت كان من المقرر ان يعقد اجتماع يوم السبت بين الكتائب وناشطين من المجتمع المدني لإعلان اللائحة التي كانت مقررة قبل التوصّل الى الاتفاق بين الكتائب و«القوات» بشروط «القوات»، لا سيما لناحية رفض سحب ترشيح الدكتور فادي سعد لمصلحة النائب سامر سعاده في البترون.

ولوحِظ انّ الجميّل حاول، من خلال كلمته خلال مناقشة الموازنة مساء امس في مجلس النواب، إقامة بعض التوازن في الصورة الاعلامية مصوّراً «القوات» وكأنها هي التي التحقت بخيار «الكتائب» في معارضة البواخر وغيرها من القضايا المتعلقة بالفساد والنفايات والاصلاحات المالية والاقتصادية...

مجلس الامن

وفي هذه الاجواء، رحّب مجلس الامن الدولي بمؤتمر دعم القوات المسلحة اللبنانية في روما وأعاد التأكيد على التزامه باستقرار لبنان وتمسّكه بسلامته وسيادته واستقلاله، وأثنى على جهود السلطة السياسية لتنظيم الانتخابات النيابية، وذكّر بضرورة الالتزام بقراراته رقم 1559 و1680 و1701، وعلى ان لا توجد أيّ أسلحة أو سلطة في لبنان غير سلاح الدولة اللبنانية، ولا قوات أجنبية بدون موافقة حكومته، ولا بيع أو توريد لمواد ذات صلة بالأسلحة إلى لبنان باستثناء ما تأذن به حكومته.

وأشاد المجلس بدور الجيش اللبناني في احتواء وإلحاق الهزيمة بالطموحات الإقليمية لتنظيمي «داعش» و«النصرة»، وغيرهما من الجماعات التي صنّفتها الأمم المتحدة كإرهابية في لبنان. وتمنّى على كل القوى السياسية العودة الى طاولة الحوار لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية وتلبية موقف رئيس الجمهورية ميشال عون الأخير في هذا الإطار