لا تشبه قصّة الطفل الكسندر صليبا، القصص التي يمكن أن يتخيلها إنسان أو يظن أنها قد تحدث معه في يوم من الأيام. هي رحلة عذاب طفل بدأت معاناته منذ أن بلغ الرابعة من العمر ولم يُدرك الأطباء حقيقة مرضه إلا بعد أن بلغ السادسة. فقد الكسندر حواسه وقدراته، من النظر الى المشي والضحك وغيرها من المسائل التي تعطي للحياة لذتها!.
اليوم وبعد نضال سنوات بين المستشفيات في لبنان والمراسلات الى الخارج فقدت سناء صلبيا والدة الكسندر أي رغبة في الاستمرار في النضال بعد أن شعرت بأن "كلّ الأبواب أصبحت مقفلة في وجهها، وكأن الحياة تريدها أن ترضخ للأمر الواقع بالقوّة". "حتى سنّ الرابعة كان الكسندر طفلاً كبقية الأطفال يركض، يضحك، يتسلّى ويذهب الى المدرسة، وحتى أن اساتذته كانوا يؤكدون أنه "طفل أكثر من ذكي". تروي سناء صليبا أنه "في أولّ مرّة تعرّض ابنها "لهزّة حيط" كان في المدرسة ولم أسمع من المحيطين والأطباء سوى أنني أضخّم الموضوع، ولكن في داخلي كان شيء يقول لي إن الأمر ليس على ما يرام. مرّ الوقت، في الصيف وأنا أدرّس الكسندر لم أشعر بأنه يتعلّم أي شيء جديد عندها سألت طبيبا مختصا وهو بدوره طلب مني ألاّ أخاف فالأمر طبيعي".
مرّ الصيف وكانت الأوقات معه تمرّ وحلّ الشتاء ومع مرور الوقت باتت سناء تشعر أن "حالة الكسندر تتراجع حتى وصلت حدّ أن الصبي بات مضطرا أن يتمسّك بشيء ليصعد السلالم"، وتشير الى أنه "بنفس العام بدأ "يقع بالنقطة" ويتعرض لأزمات كهربائية ولكن خفيفة، وهكذا كنا نهرع الى المستشفى وكان جواب الأطباء بإستمرار إن الأمر طبيعي وإن هذا يحصل مع الأطفال ويزول مع بلوغه سنّ المراهقة، ولكننا عندما أجرينا فحوصات للدماغ ظهر أنه صغير، ورغم ذلك إستمر الأطباء بالتأكيد على عدم وجود أي مرض حتى قررنا تغيير المستشفى والتوجه الى الجامعة الاميركية بعد أن فقدنا الامل، في هذا الوقت كنت أقرأ عن العوارض التي تصيب طفلي وكنت أجد دائماً أن المرض جيني".
"بعد فترة أصبحت صحّة الكسندر تتراجع ففقد معرفته بالأشياء واستمرت المعاناة من عمر الرابعة حتى السادسة حتى أدركنا حقيقة المرض المصاب به الطفل". وتلفت سناء الى أن "الأطباء ابلغونا أن الطفل مصاب بـCLN2 وهذا يسبب موت الخلايا في الدماغ والجسد، ولن يفوق عمر الطفل الرابعة عشرة إلا ويكون قد فارق الحياة".
في رحلة البحث الطويلة عن سرّ هذا المرض وجدت سناء أن عائلة في أميركا لديها طفلتين تعانيان من نفس المرض ولكن بشكل متقدم أكثر( CNLD6). تشير سناء الى أنها بدأت "التواصل مع المعنيين في الولايات المتحدة لادخال ابنها في حقل التجارب هناك فأكدوا أن التجربة على المرض المصاب به الكسندر انتهت ورفضوا ادخاله"، وتضيف: "بعد أن قطعنا الامل بدأنا نتواصل عبر الجامعة الاميركية مع المانيا، وفي نيسان 2017 اعترفوا بالدواء في منظمة FDA وبات ثمن الدواء باهظاً، وبدل أن تكون خفّت المعاناة، ازدادت لأن السفر بات مستحيلاً وبات على لبنان طلب الدواء".
تتابع سناء الى أن "رحلة النضال للحصول على الدواء بدأت في بيروت، ورغم وعد وزارة الصحّة لها بمساعدتها بمبلغ خمسين ألف دولار الا أن هذا لم يكف لكون الدواء يكلف سنويا أربعمئة الف دولار، ولكون العائلة متعاقدة مع الضمان الاجتماعي". "النشرة" تواصلت مع وزارة الصحّة التي أكدت مصادرها أن "الحالة نادرة ووزارة الصحّة لا يمكنها تغطية هذه الكلفة بقرار من وزير الصحة فقط لأن المبلغ كبير ويجب أن يدفع سنوياً وثانياً لكون المريض متعاقد مع الضمان الاجتماعي وبالتالي فإن الدور الاساسي هو له".
بحرقة قلب وبغصّة تعلن سناء الاستسلام لقدر كتب على جبينها، وهي لم تعد تريد النضال من أجل دواء قد لا ينفع بل كلّ ما تريده إعطاء الحبّ والحنان لإبنها الذي فقد حتى قدرة التواصل مع محيطه، وفي ظلّ كل هذه الخضّة، ألف سؤال يمرّ في اذهان الوالدة: "لماذا الثقّة الزائدة لدى الأطباء في لبنان الذين انتظروا أشهرا طويلة قبل تحديد مرض الطفل؟ ولماذا يموت ابني في المنزل وبصمت بينما لو كان بريطانياً أو أميركيا أو أوروبياً كان ليعود الى الحياة من جديد... كلّ ذلك فقط لأنه ولد في لبنان وأهل هذا البلد كتب عليهم أن يستجدوا العمل لكسب لقمة العيش وحتى استجداء الدواء لإنقاذ طفل مريض"!.