ورد في “العربي الجديد”: يحمل إقرار وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، بعدم جهوزية العمق المدني الإسرائيلي لمواجهة تبعات اندلاع حرب على الجبهة الشمالية دلالات كبيرة، وقد يشي بطابع الخيارات والتوجهات الإسرائيلية الحقيقية في التعاطي مع التهديدات المنبعثة من لبنان وسوريا.
ويعدّ إقرار ليبرمان، الذي جاء خلال مشاركته في المؤتمر السنوي لصحيفة “يديعوت أحرنوت”، الذي انطلق أول من أمس، أول اعتراف رسمي بعدم جاهزية إسرائيل للوفاء بالمتطلبات المسبقة التي يتوجب على حكومة بنيامين نتنياهو توفيرها قبل اندلاع مواجهة شاملة على الجبهة الشمالية. ويتبين من كلمة ليبرمان أن العاملين اللوجستي والمادي هما أهم عائقين أمام تمكن إسرائيل من تأهيل الجبهة الداخلية لمواجهة تبعات الحرب المقبلة على الحدود الشمالية. وبحسب ليبرمان، فإن تمكن إسرائيل من الاستعداد للحرب المقبلة يتطلب منها صياغة خطة خماسية بكلفة مالية تصل إلى مليار شيكل سنوياً (225 مليون دولار).
وفي حين يؤكد ليبرمان أن إسرائيل تمكنت من إعداد الجبهة الداخلية القريبة من قطاع غزة لأي حرب مفتوحة مع حركة حماس، فإنه يرى أن هذا الإنجاز تسنى فقط بعد أن استثمرت الحكومة في بناء تحصينات للمستوطنين في المستوطنات التي تنتظم في منطقة “غلاف غزة” بكلفة تصل قيمتها إلى 37 ألف شيكل (حوالي 11 ألف دولار) لكل مستوطن.
وعلى الرغم من أن تصريحات ليبرمان هذه جاءت في إطار توجيه الانتقاد للحكومات التي تعاقبت على حكم إسرائيل، فإنه أقرّ، بشكل غير مباشر، بأن تأمين الجبهة الداخلية، الذي يعد أهم متطلبات الاستعداد للحرب المقبلة على الجبهة الشمالية، غير متوفر في الوقت الحالي.
وإذا تم الأخذ بالاعتبار أن أحد أهم الملاحظات التي سجلتها لجنة “فينوغراد” التي تقصّت أوجه القصور الإسرائيلي في حرب لبنان الثانية 2006 وتقرير مراقب الدولة الذي حقق في مسار حرب غزة 2014، كان يتعلق بعدم جهوزية الجبهة الداخلية قبل نشوب الحربين، فإنه يمكن الافتراض أن صانع القرار في تل أبيب يأخذ بالاعتبار هذا العامل قبل اتخاذه قراراً بشنّ عمل عسكري يمكن أن يفضي إلى مواجهة شاملة، لا سيما على الجبهة الشمالية تحديداً، التي تعد أكثر تهديداً للعمق المدني الإسرائيلي.
وعلى الرغم من أن ليبرمان لم يقدم تفاصيل حول المخاطر التي تتهدد العمق المدني الإسرائيلي في حال نشبت مواجهة مع حزب الله تحديداً، فإن صحيفة “معاريف” نقلت أخيراً عن ثلاثة من كبار مسؤولي الصناعات العسكرية الإسرائيلية قولهم إن إسرائيل ستكون مطالبة بإجلاء حوالي نصف مليون مستوطن من منطقة حيفا فقط قبل اندلاع أي حرب مع حزب الله بسبب التداعيات الكارثية المحتملة لسقوط صواريخ الحزب على مجمع الصناعات الكيميائية في ميناء حيفا، إذ حذر هؤلاء المسؤولون من أن انبعاث الغازات السامة سيهدد حياة المستوطنين في المكان.
إلى جانب ذلك، أوضح المسؤولون أن منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي غير قادرة على مواجهة صواريخ حزب الله بكفاءة كبيرة، بسبب مداها الطويل وامتلاكها رؤوساً نارية ثقيلة نسبياً، إلى جانب أن عدداً منها يتسم بدقة إصابة كبيرة، ما يجعل الكثير من المؤسسات والمرافق المدنية والعسكرية الحيوية داخل إسرائيل في مرمى هذه الصواريخ.
وقد تفسر هذه المخاوف الحرص الإسرائيلي الواضح على محاولة احتواء التوتر الأخير مع الدولة اللبنانية بشأن بناء الجدار على الحدود والخلاف على خارطة المياه الاقتصادية لكل منهما، على اعتبار أن عدم احتواء هذا التوتر يحمل في طياته إمكانية تفجر مواجهة مع حزب الله في ظل عدم وفاء الاحتلال بمتطلبات إعداد الجبهة الداخلية.
إلى جانب ذلك، فإن إسرائيل ستواصل تصميم عملياتها في سوريا بحيث لا تفضي إلى مواجهة شاملة، يشارك فيها حزب الله، لا سيما في أعقاب التصعيد الأخير خلال الشهر الماضي الذي أسقطت خلاله طائرة أف 16 إسرائيلية بنيران سورية. لكن المخاوف من تبعات اندلاع مواجهة شاملة على الحدود الشمالية بسبب تداعياتها على العمق المدني الإسرائيلي، لا تمنع الاحتلال من مواصلة التحوط للحرب من خلال محاولة تقليص قدرة حزب الله على مفاجأة إسرائيل، وذلك عبر تكثيف جمع المعلومات الاستخبارية عن الحزب وقدراته والاستثمار في بناء القوة العسكرية بشكل يقلّص قدرة الحزب على المسّ بالجبهة الداخلية والمرافق الحيوية في الحرب المقبلة.