مع اقتراب السادس من أيار، تبرز أكثر فأكثر فوائد القانون النسبي المفصل على قياس أهل السلطة الذين اتمّوا واجباتهم الشرعية بعضهم حيال بعض، ويعدّون انفسهم للعودة الى التحكم برقابنا غانمين مغتبطين ومعتمدين على ناخبين يكفي ان يسمعوا الكليشيهات التي لا مكان لتنفيذ أي حرف منها على ارض الواقع ليلبّوا النداء.
ليست مسألة إحباط، لكن السؤال يجوز: أي جديد تحمله الينا هذه الانتخابات النيابية؟
قد يكمن الجواب في التقسيمات الإدارية المفصلة على القياس، لتفرز لكل فريق طائفي ومذهبي حصته نظيفةً خالصة من شوائب الخرق المحتمل.
اما الوسيلة للوصول الى هذا الهدف، فكانت ضربة المعلّم المتمثلة في فرض اللوائح شرطاً ملزماً للمرشحين، وذلك لقطع الطريق على أي مرشح مستقل وقادر على الاختراق بموجب القانون الاكثري، ما يعني تدعيم محادل السلطة. لا شيء غيرها.
فعلاً هي ضربة معلّم. فالنقمة السائدة حيال كل هذا الفساد المستشري في مفاصل الدولة، كانت تملك حظوظاً متفرقة لخرق لوائح السلطة في أكثر من مكان وفق النظام الاكثري، ما يعطي أملاً بسابقة قد تتعزز وتتكرر. لكن الشطارة على الطريق اللبنانية وقفت بالمرصاد وقوطبت على نقمة الناس وسعت الى شل رغبتهم في تغيير نوعي يبدأ من مكان ما، ويهدد المعايير التي تكرس استمرارية القادة السياسيين الحاليين انطلاقاً من طوائفهم.
فهؤلاء القادة يعرفون جيداً خطر أي تغيير طفيف عليهم، لأن من شأنه تمهيد الطريق لما هو أوسع وأشمل في المراحل المقبلة. منطقهم يقضي بأن لا يصلحوا ولا يغيّروا ولا يبنوا دولة فيها دستور وقانون ومحاسبة ومساءلة، لأن مثل هذه الدولة تقود الى قطع ارزاقهم. لذا كان لا بد من قطع أعناق كل طموح من خارج محاصصاتهم. لذا كان لا بد من القانون الحالي ومن محادل اللوائح التي يعجز عنها مَن هو خارج اصطفافاتهم وأموالهم الانتخابية الوفيرة.
لمزيد من الحرص على ضمان النتائج، قرر كل عضو من أعضاء المجلس الأعلى الطائفي المتحكم باللعبة السياسية، ان لا صوت يعلو فوق صوت استنهاض الغرائز البشعة في المعركة الانتخابية، وتخويف اللبنانيين بعضهم من بعض وتشجيعهم على اعتبار أن حق الطائفة ينحصر في تكريس الزعيم الى الابد، ما يضمن ثبات التركيبة الحالية المنقّحة، وتقاسم السلطة من باب الطائفة.
ليس مفاجئا ان رؤساء الكتل الاساسية يحملون سلاح الذود عن الطائفة، عن الجماعة، وليس عن اللبناني من باب المواطنة والحقوق والواجبات وفق الدستور والقوانين.
وهم يصرّون على رفع النبرة للقول ان الطائفة التي يمثلونها ويصادرونها ليست حرفاً ناقصاً، وإن حائطها ليس واطئاً، ولا يمكن تحجيمها. كلهم أقوياء وقوتهم تعدي الاخرين. الى الأعلى يريدون النهوض بالغرائز المتفلتة من المعايير الإنسانية وبحقوق جماعاتهم، كما يدعون. ولكن ضد من؟! ضد حلفائهم في السلطة؟! بالتأكيد لا، فالهدف هو الاستمرار في القدرة على التقاسم والمحاصصات وبالوسائل السائدة منذ اتفاق الطائف، وكأن لا شيء تغيّر.
لعل أصدق تعبير لإدارة الطبقة السياسية الحالية للحملات الانتخابية يعكسه تعليق على صفحة الـ"فايس بوك" جاء فيه ان "حجم التكاذب الانتخابي فاق حجم الدين العام في لبنان".
عجبي!!
عنصرية. بلطجة. تصنيف وحكم مسبق على المنافسين. والانكى ان اسهم السوق حامية ولا أحد يقضي على شريكه اللدود، بل يعتمد خطاباً يزيد من أسهم هذا الشريك في صفوف جماعته.
اما اللعبة الخبيثة التي استخدمتها السلطة، فقد بانت ملامحها في بعض الترشيحات الملغومة والمدرجة على حساب ما اعتبر منافساً لها، وهو المجتمع المدني، ولعل الانسحابات التي شهدناها قبل انتهاء مهلة تقديم اللوائح تشير الى الطعنات التي تعرض لها من حسب ان المنافسة ممكنة بشروط عادلة تتجاوز الانتقادات التي يمكن ان توجَّه الى القانون الانتخابي.
ولكن، ولأن توصيف الوضع الحالي على فجاجته، لا يسعى الى الاحباط، لا بد من العمل لتحقيق الخرق المطلوب من خلال هذه الانتخابات حتى لا نبقى غنماً، كما يريدون لنا ان نكون، وكما سنصير اذا عادت هذه الطبقة الحاكمة وبقوة تكريسية أفعل.
فلنعمل بحيث تحمل هذ الانتخابات ولو الحد الأدنى المتاح من التجديد او محاولة التجديد التي يمكن البناء عليها لتراكمات تتحدى بفعالية أكبر المجلس الأعلى الطائفي المتحكم بنهب المال العام من خلال التمثيل السياسي.
كلهم يعني كلهم.