قبل شهر وأسبوع تقريبا من موعد الانتخابات النيابية، ظهرت في لبنان بوادر تشير إلى سعي النظام السوري إلى إعادة الاعتبار للرموز التي كانت تعبّر عن وصايته على لبنان.
وقالت مصادر سياسية إنّ النظام السوري طلب من الحزب دعم عدد من المرشحين الذين يريد عبرهم تأكيد عودته السياسية إلى لبنان الذي انسحب منه في نيسان – أبريل من العام 2005 بعد شهرين تقريبا من اغتيال رفيق الحريري ورفاقه.
وأوضحت هذه المصادر أن هذه البوادر، التي جعلت الحزب يدعم رمزين من رموز النظام الأمني السوري – اللبناني، هما اللواء جميل السيّد واللواء علي الحاج، وآخرين من السياسيين مثل إيلي الفرزلي في مناطق لبنانية مختلفة، أثارت قلقا لدى رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وحملته على اللجوء إلى لغة التصعيد مع النظام السوري ومع الحزب.
وتساءل الحريري الذي يتزعّم تيّار المستقبل في مهرجان كبير أقيم السبت الماضي في عكار، شمال لبنان “هل عاد بشّار (الأسد) يعمل على خط تشكيل اللوائح؟” واعتبر أن حزب الله يتولى مهمّة التسويق للمرشحين المحسوبين على النظام السوري قائلا “هنا في عكّار لائحة، وهناك لائحة في طرابلس وحلفاء للحزب والوصاية في بيروت. والأمر نفسه ينطبق على البقاع″.
ومعروف أنّ جميل السيّد وعلي الحاج كانا يشغلان منصبين أمنيين كبيرين لدى اغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005، وقد سجنا لمدّة أربع سنوات بأمر من المحكمة الدولية التي لم تجد أدلة كافية لإدانتهما.
وكان السيّد (شيعي) مديرا عاما للأمن العام، فيما كان الحاج (سنّي)، الذي عمل فترة طويلة مرافقا شخصيا للحريري الأب، مديرا لقوى الأمن الداخلي. وشغل الحاج هذا المنصب بناء على طلب سوري بعد اكتشاف رفيق الحريري أنّ مهمة الحاج كانت تتمثّل في إرسال تقارير إلى الأجهزة السورية عن تحركاته وأحاديثه في المجالس الخاصة.
ورأت المصادر نفسها أنّ تيّار المستقبل لن يكتفي بتصعيد اللهجة ضدّ النظام السوري والحزب فحسب، بل سيعمد أيضا إلى خرق لوائحه في منطقة البقاع، خصوصا في دائرة بعلبك – الهرمل. وسيستغل من أجل تحقيق هذا الهدف النقمة السائدة في بعض الأوساط الشيعية على حزب الله الذي أهمل منطقة بعلبك – الهرمل طويلا.
وتترشّح في هذه الدائرة لائحة تضمّ شيعة معارضين للحزب إضافة إلى سنّة ومسيحيين يعتبرون من أشدّ المعترضين على ممارسات الحزب ويأخذون عليه اعتماده سياسة تستهدف إفقار بعلبك والهرمل، خصوصا مدينة بعلبك ذات القلعة الرومانية المشهورة التي كانت في الماضي معلما سياحيا عالميا قبل أن تتحوّل إلى مدينة شبه مهجورة من السيّاح الآن.
ويتزعّم اللائحة التي يتوقع أن تحقّق اختراقا لهيمنة حزب الله وحركة أمل، أي ما يسمّى الثنائي الشيعي، على منطقة بعلبك – الهرمل النائب السابق يحيى شمص. وينتمي شمص، الذي سبق للوصاية السورية في تسعينات القرن الماضي أن جرّدته من مقعده النيابي ووضعته في السجن، إلى إحدى أكبر العشائر الشيعية في لبنان. وستستفيد لائحته من دعم تيار المستقبل على الصعيد السنّي ومن تأييد القوات اللبنانية، التي يعتبر معظم مسيحيي المنطقة من المؤيدين لها. كذلك، سيستفيد من نقمة عائلات مدينة بعلبك نفسها على الحزب، بما في ذلك عائلة ياغي ذات الحضور القوي في المدينة والتي اعتادت أن تكون ممثلة بقوة في المجلس البلدي للمدينة.
ولوحظ، الأحد، أن رئيس مجلس النواب السابق السيّد حسين الحسيني أعلن انسحابه من السباق الانتخابي. ويوفّر هذا الانسحاب من انتخابات السادس من أيّار – مايو المقبل دعما إضافيا للائحة يحيى شمص الذي يأمل بخرق لائحة الحزب – حركة أمل، بما لا يقلّ عن ثلاثة مقاعد في ما يمكن اعتباره حدثا فريدا من نوعه منذ تسعينات القرن الماضي.
واستبعدت المصادر السياسية أي خرق للوائح الثنائي الشيعي في الجنوب اللبناني. وفسّرت ذلك بالوجود العسكري القوي للحزب من جهة وغياب الطابع العشائري عن المجتمع الشيعي في الجنوب.
وأشارت في هذا المجال إلى أن الثنائي الشيعي نجح إلى حد كبير في تدجين العائلات الإقطاعية الشيعية. وحقّق ذلك إمّا عن طريق إعطاء ممثلين لهذه العائلات مقاعد نيابية شرط أن يكون ممثلوها مجرد نواب منضبطين بما يقرّره رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وإمّا عن طريق معاقبة هذه العائلات ومنع أي نشاط لها في المناطق التي تمثلها تقليديا.
وبين العائلات التي عوقبت عائلة الزين الشيعية ذات الانتشار الواسع في جنوب لبنان. وللمرّة الأولى منذ ما قبل الاستقلال في العام 1943 لن يكون لهذه العائلة ممثل في مجلس النوّاب الجديد إذ قرّر الثنائي عدم أخذ النائب الحالي عبداللطيف الزين على إحدى لوائحه بحجة تقدّمه في العمر. ومعروف أن عبداللطيف الزين، وهو من بلدة كفرّمان القريبة من مدينة النبطية في جنوب لبنان عضو في مجلس النواب منذ ستينات القرن الماضي من دون انقطاع. وكان والد عبداللطيف ويدعى يوسف الزين أول من تولى موقع رئيس مجلس النواب في لبنان من أبناء الطائفة الشيعية.