يقيم السيد حسن 80 سنة، وهو مدير عام سابق في الدولة، مع زوجته في الطابق الأول من بناية فخمة، بمنطقة بئر حسن. يلازم منزله معظم الوقت، ويستقبل أصدقاء في أوقات محددة، ويعيش تقاعده بسلام، ولم يسبق أن تعرض لاي حادث سطو أو ما شابه.
منتصف ليل 2/3 أيلول سنة 1996، وكانت ليلة أنتخابات نيابية، رقد متأخرا ليستقيظ على وقع ضربات مسدس مؤلمة على رأسه، أعتقد أنه يحلم وفي كابوس مزعج، لكنه ما لبث أن ذعر حين شاهد رجلاً يكم فمه بشريط لاصق، ويقيد يديه وقدميه بربطات عنق غالية الثمن تبين أن السارق أحضرها من خزانته، ويطرحه أرضا صارخاً به: وين المصاري بسرعة!
هدده بالموت أن حاول الأستغاثة، فانصاع لأمره وأرشده الى الخزانة التي تناول منها كمية من المال، حوالى الفي دولار، وجهازي هاتف خليوي، وأبقى رأسه الى الأرض، وراح يفتش في الغرف الأخرى، حيث شاهد زوجة حسن مستلقية على السرير، ببيجاما صيفية، فذعرت أيضا عندما فوجئت بشاب من دون قناع، يحمل مسدسا ويكم فاهها بشريط لاصق، ويجردها من ثيابها بالكامل ثم يقيد يديها مهددا ، بحيث تحركت غرائزه الوحشية وقررأغتصابها أمام زوجها الملقى أرضا. ثم شهر سكينا من جيبه ووراح ينخر جسدها الطري بوخزات، وهي تصرخ رغم الشريط الذي يقفل فمها بالكامل، نزع سرواله وأغتصبها مرتين خلال نصف ساعة وهي عاجزة عن المقاومة، ولم تنفع توسلات الزوج لأخذ كل شي، وتركهما من دون أذى.
بقي الوحش الجاني، حوالى ساعتين داخل الشقة، يدخن ويتلذذ بالزوجة المنهارة والزوج الذي أعتقد أن موته أضحىوشيكاً! ليغادر عبر الشرفة التي دخل منها حيث استخدم حبلا ليصعد اليها.
حضرت دورية الأدلة الجنائية لرفع البصمات وجمع الأدلة الجرمية، ودلت الأثارعلى شخصيته، كونه سجن سابقا أكثر من مرة، ويحتفظ مكتب التحقق من الهوية ببصماته منذ مدة.
غنم اللص آلتي هاتف وبعض الأموال، وفر مختبئا يتابع ردات الفعل، حيث حضرت مختلف الأجهزة الأمنية الى منزل الضحيتين وخصوصاً أن علاقة صداقة تربطهما بعائلة الرئيس الياس الهراوي الذي أتصل بالقيادات الأمنية والقضائية لتعجيل البحث عن الجاني وتوقيفه.
أحال النائب العام الأستئنافي في جبل لبنان التحقيق على مفرزة بعبدا القضائية، وفقا للصلاحية المكانية، بأمرة المقدم ناجي دمج الذي تمكن من تحديد هوية مستخدم الهاتف المسروق، وتبين أنه زكريا غ. الذي سبق أن أوقف بجرائم السرقة والسلب، وفي حقه أربع مذكرات توقيف غيايبة بجرائم مشابهة. ودلت المعلومات أيضاً أنه خطر ومسلح باستمرار ووفقا لتقرير الأدلة الجنائية.
هزّت لمجتمع هذه الحادثة التي أستهدفت زوجا وزوجة في خريف العمر في منطقة آمنة وراقية، وتناولت الصحف المحلية والأذاعات ونشرات أخبار التلفزيون مأساة الزوجة وما حل بالزوج المتقاعد، وانتشر الذعر لدى سكان بئر حسن الأمنة ولا سيما منهم المتقدمين بالسن.
طاردت دورية معززة من مفرزة بعبدا القضائية الجاني في منطقة حوش القتيل، قرب مستديرة المطار، لكنها تعرضت لأطلاق نار من الخلف، حيث أصيب أحد المعاونين برصاصة في قدمه، وفر الجاني الى جهة مجهولة.
أستدعى العميد سليم سليم قائد الشرطة القضائية، رئيس القسم وآمري مفارز بيروت وجبل لبنان، وطلب اليهم التفرغ لقضية توقيف اللص المتوحش زكريا، وأحضاره حيا لتقديمه الى العدالة.
يرتكز عمل المباحث على التعاون مع المخبرين الذين يسهلون مهمة التحري، عبر معلومات دقيقة تبين: السلاح الذي ينقله، أماكن وجوده، وأصدقاءه...
أستدعى العقيد سركيس تادرس آمر مفرزة بيروت القضائية الأولى، ومعاونه المقدم راغب دياب، أحد المخبرين الصادقين الذي تربطه صداقة مع المطلوب زكريا، ووعداه بمكافأة مليون ليرة وأبقاء اسمه مكتوما، بموافقة النائب العام الأستئنافي في بيروت، في مقابل وجوده معه في مكان معين يحتسيان الخمرة. فيقتحم رجال التحري الشقة ويوقفون المطلوب بعيدا من سلاحه والمخبر معاً. وافق المخبر الذي جرى تطويعه لهذه المهمة تحديداً لقاء ضمان بقاء اسمه مكتوما وبعيدا من الأعلام والأستجواب.
ظهر الأحد 8 أيلول 1996، اتصل المخبر وأعلم أمر المفرزة أنه سيلتقي زكريا في شقة حددها في محلة رأس النبع بعد قرابة ساعة، فطلب اليه العقيد إبقاء باب مدخل الشقة غير موصد بالكامل، لتسهيل الدخول وسرعة ضبط زكريا، بعد أقناعه بترك المسدس الملقم دائما، بذريعة التفرغ لاحتساء كأس من الخمر معا.
كان قائد الشرطة القضائية قد اطلع من العقيد تادروس على الخطة لتوقيفه من دون تبادل النار، ووافق مواكبا الخطة تكتيا وبسرعة نظرا الى ضغط المجتمع والصحافة التي تناولت ضعف أجهزة الدولة، إزاء توقيف وحش بشري يسلب ويغتصب من دون خوف.
وفقا للخطة المرسومة، نجح المخبر بإبقاء باب المدخل غير موصد بالكامل، وباشر شرب الويسكي مع زكريا الذي لم يفارقه المسدس الحربي غير المرخص تحسبا للتحري. وفوجيء زكريا بدخول العقيد والمقدم ثم ثلاثة من التحريين الذين أسرعوا في تقييده وتقييد المخبر، بعد إنزال العنف بالمخبر لأخفاء الحقيقة وأبعاد الشك عنه. واستحق زكريا ما حدث صارخا: ما تقتلوني،أنا بأمركم!
فتشت الشقة وضبط فيها رشاش حربي وذخيرته، ومسدس ينقله زكريا على وسطه، أضافة الى 40 غراما من حشيشة الكيف.
وجرى أقتيادهما الى نظارة مفرزة بيروت القضائية الأولى في محلة رأس النبع القريبة، فيما العميد سليم سليم ينتظر نتائج الدورية.
بعد استماعه بسرعة وأعترافه بدخول شقة حسن وتقييده وأغتصاب زوجته وسرقة المال وجهازي هاتف خليوي، وإطلاق النار على الدورية، أعلم النائب العام الأستئنافي في بيروت القاضي عبدالله بيطار الذي حضر شخصيا وأستمع الى إفادة زكريا، واتهم المخبر بالاشتراك في عملية الأغتصاب والسلب، رغم أصرار زكريا على براءة المخبر الذي "صودف" حضوره حين دهمت الدورية مكان تخفيه.
أحضرت الزوجة والسيد حسن الى المفرزة، ورفضا مقابلة زكريا لكونهما لايزالان تحت تأثير الصدمة والخوف من المغتصب، لكنهما تعرفا الى صوته وشكله من خلف الستارة.
أحيل الموقوف على مفرزة بعبدا لأكمال التحقيق معه، وفقا لأشارة النائب العام، فيما أوقف المخبر لمدة يومين وخلي سبيله، بناء لتوسلات زكريا وأصراره على عدم مشاركة أحد معه في العملية.
وقد نوه رئيس الجمهورية شخصيا بشجاعة التحري وبراعته في توقيف زكريا، ناشر الرعب بين الناس. كما أصدر اللواء رفيق الحسن تنويها بعمل العقيد سركيس تادروس ومساعده المقدم راغب دياب والدورية المشاركة في التوقيف، مما ترك ارتياحاً لدى الناس، وأكد أن للتحري قدرات عالية في التصدي للمجرميبن مهما ابدعوا بمخططاتهم الجرمية، ومهما أظهروا من عنف ووحشية بارتكاب جرائمهم، فإن قوة المتخصصين بمكافحة الجريمة من التحري وأفكارهم، تبقى أقوى من المجرمين.
إن تعاون أفراد من المجتمع، ولاسيما منهم الذين سبق أن شاركوا المجرمين مهماتهم، وأعلنوا التوبة والتعاون مع الأجهزة الأمنية الشرعية، قد يغني عن أستعمال السلاح من رجال التحري، الذين غايتهم توقيف الجاني وسوقه الى القضاء، وليس تنفيذ حكم الأعدام به عبر أطلاق النار الذي قد لا يكون دقيقا في بعض الأحيان، ويؤدي بمطلقه الى المحكمة، اضافة الى تعميق الحقد على القوى الأمنية من ذوي الضحية.
(العميد أنور يحيى - قائد سابق للشرطة القضائية)