لا شيء في لبنان خارج الحسابات السياسية، ولا يمكن التعاطي مع أيّ حدث ومهما كان صغيراً دون وضعه في جملة من الأسباب السياسية، لأن لبنان محكوم بالسياسة ولا شيء فيه غير السياسة فكل السلطات تخضع لها وهذا استثناء في منظومة الدول التي تحكمها القوانين كما هي الليبرالية، ويحكمها العنصر الاقتصادي كما هو حال الاشتراكية حيث البنى التحتية تحدّد ماهية البُنى الفوقية، في حين لبنان نسخة مختلفة تماماً ونموذجاً قلّ مثاله.
لذا لايمكن احتساب ما يجري على أيّ مواطن أو جهة أو حالة دون وضع هذا الجريان الأمني والقانوني والاجتماعي في رسم السياسة التي تحددها جهات السلطة في لبنان.
إقرأ أيضًا: الشيخ عباس الجوهري ناجح قبل الإنتخابات
من هنا لا يمكن التعاطي مع توقيف الشيخ الجوهري دون الحديث عن توقيف سياسي في لحظة ترشُح الشيخ للانتخابات النيابية ومن موقع قيادة معارضة شيعية متصلة بالناس الذين أرهقتهم ديون الخدمات المتكدسة في بنك نوّاب المنطقة , ورغم صراخ البقاعيين ضدّ التجديد الانتخابي للبعض منهم الاّ أن ماكنة القرار السياسي قمعت دور المنتخبين في اختياراتهم ووضعتهم داخل نجدين لا ثالث لهما فإمّا الفاشلين في النيابة وأمّا التصويت للنُصرة و أنصارها وهذا ما دفع غيارى المنطقة الى اتخاذ خطوات جادة لتحسين شروط التمثيل السياسي في منطقة مُثل عليها أكثر من دورة نيابية من قبل أرباب نوّاب الطائفة.
لقد ساهم الشيخ الجوهري في تلبية نداء أهالي بعلبك - الهرمل وقرّر خوض انتخابات نيابية في ظل خلل واضح في موازين القوى وفي ظل مصادرة طبيعية لكل حركة خارج سياق سلطة الواقع طالما أنها ترتجي التغيير لتحسين شروط الحياة السياسية من جهة ولدفع البلاد والعباد نحو مستويات متقدمة من النمو والتطور بعد أن تمّ تصحير البقاع وتجفيف مصادر العيش في منطقة أكلها الحرمان ولم يسعفها حال المحرومين من أهل السياسة.
إقرأ أيضًا: الدّف انفخت وتفرّقوا العشاق
حتى اللحظة يبدو أن ما حدث مع الشيخ الجوهري قد ثمّن من موقفه سواء في استكمال خوض الانتخابات النيابية أو في تبوء موقع قيادة المعارضة الشيعية بعد فراغ نسبي في أطر وتشكيلات معارضة كانت تنتظر المرحلة والفرصة السياسية لبلورة قيادة قادرة على الأخذ بالأسباب التاريخية لنهضة مشروع تغييري ببُعد وطني يبني الدولة ويُسقط الدويلة الطائفية.
ربح الشيخ الجوهري ما أراد له البعض خسارته وفاز في أولى معاركه الديمقراطية والعاقبة في تدشين مرحلة نضالية جدية وجديدة تعيد رسم السياسة وفق معطى اجتماعي وما مناطق الحرمان والاهمال الاّ مسودات مشاريع سياسية ناجحة أثبتت التجارب صنيع فوائدها.