شغلت قضية الفنان فضل شاكر الرأي العام لسنوات طويلة، إذ بعد اعلان اعتزاله الفنّ في نهاية العام 2011 وتفرّغه للعبادة، انخرط في صفوف جماعات متطرفة وذلك بعد انطلاق شرارة الثورة السورية التي أثرت به كما الأغلبية الساحقة من اللبنانيين الذين انجرّوا خلف انفعالاتهم وراحوا يسجّلون المواقف التي تباينت ما بين مؤيد ومعارض.
ومع تصاعد الأزمة السورية، انقسم الفنانون اللبنانيون في اعلان مواقفهم الأمر الذي أثار بلبلة وسط محبيهم، ورغم أن البعض منهم قد "نأى بنفسه" عن الإدلاء بأي موقف قد يُحسب عليه، تمادى البعض الآخر في اطلاق التصريحات النارية والتي كان ثمنها باهظاً جدا، سواء على الصعيد المهني او الشعبي.
وبعد غياب طويل، يترقب اللبنانيون اليوم إطلالة الفنان فضل شاكر على شاشة "الجديد" وذلك ضمن ثلاثية أعدّها الاعلامي فراس حاطوم تروي تفاصيل رحلة "شاكر" الطويلة مع المعاناة، وهو الذي بحسب "حاطوم" يخشى تسليم نفسه للقضاء المختص نظراً الى التباطؤ في اجراء المحاكمات وخوفاً من الضغوطات السياسية التي قد تمارس في ملفّ القضية، في حين يؤكد المعنيون بأن لا مجال لأية تسويات قبل تسليم "شاكر" نفسه للتحقيق معه واصدار الحكم المناسب بحقّه.
ومما لا شك فيه أنّ مواقف فضل شاكر لم تكن الأشرس في معارضة النظام السوري ودعم الثورة قياساً الى كونه انسان، الا أنّ نجوميته في الساحة الفنية جعلته تحت المجهر، وسلطت الضوء على مواقفه التي استطاع من خلالها تجييش قاعدته الجماهيرية الكبيرة تأييداً لمواقفه، فتحوّل من فنان الى مطلوب فارّ من العدالة، الأمر الذي أثار من حوله موجة تراوحت ما بين النقمة والتعاطف ودعوة "شاكر" الى تسوية اوضاعه وتسليم نفسه للقضاء للبتّ بقضيته آملين أن يحصل على البراءة.
اليوم، يبدو فضل شاكر مرهقاً من لعبة التواري عن الأنظار، فالمخبأ الآمن الذي يأوي فيه في مخيم "عين الحلوة" بات يحجب عنه شمس الحرية ويمنعه من ممارسة حياته الطبيعية، الأمر الذي أثر بشكل سلبي على احواله النفسية والمعيشية، وجعله يضيق ذرعاً من وحشة الوحدة وشبح القلق الذي يسيطر على حياته في الآونة الاخيرة.
ومن المتوقّع ان تثير "ثلاثية" فضل شاكر تعاطفاً شعبياً واسعاً، إذ أن عدداً لا بأس به من الوسط الفني والجماهيري يطالب ببراءته، على اعتبار أنه لم يكن الوحيد الذي انجرّ وراء عاطفته حيال القضية السورية، وإن كان "شاكر" قد بالغ في ردود فعله حدّ التطرف، الا ان البيئة المحيطة به لعبت دوراً اساسياً في ذلك، ناهيك عن المصائب الشخصية التي ألمّت به، من تعرض شقيقه الى الاعتداء الجسدي، وسرقة واحراق منزله، وعدم تجاوب السلطة لإحقاق العدالة والإنصاف ومشاهد القهر من المجازر التي ارتكبت بحق المدنيين في سوريا، كلها عوامل من شأنها أن تدفع العاقل نحو الجنون.
ربّما أخطأ فضل شاكر الذي كان الأجدر به أن يقف على الحياد، او يعبّر عن رفضه لمشهد الإجرام بطريقة او بأخرى كلما سنحت له الفرصة، الا أن تبنيه للتحركات الشعبية المتطرفة ومشاركته في التظاهرات السلفية بالصوت واليد، جعلت منه ارهابيا بنظر البعض، وبطلا بنظر البعض الآخر، وما بين مجرم وبطل، يبقى فضل شاكر ضحية من ضحايا المواقف الحرة والانقسامات القاسية في لبنان والوطن العربي.
وفي انتظار التسوية في ملفّ قضية فضل شاكر، ووسط التمنيات بتسليم نفسه للقضاء، يترقب جمهوره عودته الى الساحة الفنية بفارغ الصبر آملين أن يكون الحكم منصفاً، وأن تمحى آثار "الفورة" النفسية من ذاكرة اللبنانيين وتطوى صفحة التشنجات والأحقاد من قلوب الناس. وبعد خمس سنوات من الفراق تُرى "يا غايب عذرك معك"؟؟