ساعات تفصل لبنان عن طي صفحة تسجيل اللوائح، لينقشع بعدها الضباب عن مشهد التحالفات، التي يؤكّد التعريج عليها سريعاً أن هذا القانون هو "قانون قابيل وهابيل"، على حد تعبير وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق.
ضربت لعنة القانون الجديد اللوائح المقفلة، وقدمت تحالفات الضرورة بصورة هجينة غير مألوفة، قربّت أخصام التاريخ ووضعت التوائم السياسية بوجه بعضها البعض، في صيغٍ يصلُح تسميتها "لوائح الأعدقاء" أي أعداء الماضي وأصدقاء حاضر انتخابي صنع صوته التفضيلي ما صنع بالتفاهمات.
جولة صغيرة على بعض الدوائر تبرز تحالفات لافتة لم تكن يوماً متوقعة في حسابات البيدر الانتخابي. في الشمال الثالثة فاجأ تحالف النائب بطرس حرب مع أخصامه التاريخيين في السياسة الجميع، أي مع تيار المردة المعروف بولائه للنظام السوري، والحزب السوري القومي الاجتماعي.
كيف سيقنع المردة قاعدته الشعبية بانتخاب لائحة فيها حرب، وهل يمكن أن يؤثر هذا التحالف على التصويت للائحة المردة لا سيما أن التشطيب غير ممكن في القانون الجديد؟
تؤكد الباحثة في علم الاجتماع السياسي عضو لجنة الشؤون السياسية في تيار المردة ميرنا زخريّا لـ"ليبانون ديبايت" أن القانون النسبي مع صوت تفضيلي للقضاء الذي من المتوقع أن يؤدي إلى تفكيك معظم الأحزاب الكبيرة وتحللها الى كتل صغيرة، ساهم بوجود النائب بطرس حرب لجانب المردة في اللائحة.
"صحيح أن حرب كان عضوا مستقلاً بتحالف 14 آذار وأن فرنجية لطالما كان من الأساسيين في 8 آذار، ولكن حرب كما يصرح اليوم قياديون في المردة، برز له موقفاً متمايزاً في فترة ما قبل انتخابات رئاسة الجمهورية وكان من مؤيدي الورقة البيضاء إلى جانب فرنجية".
لكن لا ترى زخريّا أن "هذا السبب كافٍ لحث مؤيدي تيار المردة لانتخاب حرب من دون بروز أي اعتراض، لا سيما ان المطلوب وضعه كمرشح تفضيلي في القضاء. موقف الورقة البيضاء يقدّرها ويحفظها أخلاقياً فرنجية وعاطفيا محبّيه، ولا يجوز تحميلها أكثر من ذلك، إنما عملياً ليتمكن المردة من حث جمهوره على تفضيل حرب فهناك أسباب أبعد من ذلك بكثير، وهي ان التحالف بين آل فرنجية وحرب يعود لثلاثة أجيالٍ مضت".
وتضيف "في العام 1972 كان الشهيد طوني سليمان فرنجية إلى جانب حرب في لائحة انتخابية نيابية واحدة وبعد فوزهما بالنيابة تجاورا على المقاعد الوزارية كل بحسب منصبه. ولاحقاً في انتخابات العام 1996 و2000 مجددا كان فرنجية الابن (رئيس تيار المردة) إلى جانب حرب ومجددا تجاورا على المقاعد الوزارية، ثم افترقا بعد استشهاد رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري. واليوم فرنجية الحفيد وحامل اسم جدّه (طوني سليمان فرنجية) يخوض الانتخابات النيابية جنبا الى جنب مع حرب.
وبالتالي، هذه العلاقة التي اعتاد عليها مؤيدي تيار المردة "منذ الجد الشهيد الى الابن الوزير الى الحفيد المرشّح" ليست بالأمر الطارئ، ولذلك كان من السهل عليهم أن يعودا بخطواتهما إلى سابق عهودهما. الأمر الذي لم ينعكس مشاكل داخلية على غرار باقي القوى التي دمجت على لوائحها شخصيات لا هي في نفس الخط السياسي معها ولا هي على تحالف تاريخي معها. علماً أن لدى الشعب اللبناني الوعي الكافي ليميّز بين التحالف السياسي والانتخابي".
لم يكن تحالف فرنجية – حرب وحده زواج إكراه فرضته الطبيعة الانتخابية، بل هناك نماذج عدة شكلت صدمة للقواعد الشعبية على اختلاف انتماءاتها، أبرزها انضمام النائب عن كتلة المستقبل كاظم الخير للائحة رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي في الشمال الثانية، وتحالف رئيس حركة الاستقلال ميشال معوض مع التيار الوطني الحر، وتحالف الجماعة الإسلامية مع التيار في صيدا – جزين ومع القومي السوري الاجتماعي في عكار، وآخرها تحالف النائب السابق منصور البون مع الوطني الحر في كسروان. وهو التحالف الذي خلق مشاكل داخلية في التيار وأدى إلى استقالات جماعية كون البون يعتبر من الاعداء التاريخيين للتيار.
كيف يفسر أهل البيت البرتقالي هذا التحالف؟ وكيف سيقنع قاعدته الشعبية بالتصويت للبون؟ يؤكد عضو المكتب السياسي السابق في التيار الوطني الحر نعمان مراد لـ"ليبانون ديبايت" أن أسباباً ثلاثة جوهرية أدت إلى تحالف البون مع التيار.
أولاً: القانون المبهم في التطبيق، والذي خلق جواً من الإرباك لدى المرشحين لا سيما في كسروان التي اعتادت الاصطفاف الحاد تاريخياً في الحلفاء والخصوم بسبب ضعف الاحزاب وقوة العائلات.
ثانياً: تخوف التقليديين من شبح الجديد، فقرر الأضداد التحالف مع بعضهم البعض لمواجهة هذه الموجة الجديدة التي قوامها ما يقارب الـ20 و23 ألف صوت يتجهوا للتصويت للمرة الأولى. وثالثاً: تشغيل عنصر المال المبني على الرشوة والفساد بشكل لم يسبق له أن يحصل بهذه القوة في كسروان الفتوح تحت ستار اعمال خيرية ومدارس وغيرها، ما تسبب بحالة امتعاض لدى الأهالي.
ويرى مراد أن التيار اليوم غير قادر على إقناع قاعدته الشعبية للتصويت لخصومه في الانتخابات، و"يحاول الاتكال على شراء الاصوات، ليس كقيادة بل كحلفاء جُدد لتذليل هذه العقبة، ولكنهم سيفشلون بذلك لأن القاعدة الشفافة لن تلحق بالمسؤول المُرتشي، وسيتفاجأ دافعوا المال الانتخابي في كسروان بالنتائج. فهذه المرة لا يستطيع السمسار الانتخابي أن يُعلّم البطاقة أو يحجز الهوية للناخب الذي ما عاد بالإمكان مراقبته بسبب آلية الاقتراع وشكل العازل في القانون الجديد".