كانت إيران إلى وقت قريب مطمئنة إلى أنها ستبقى القوة الوحيدة التي بإمكانها أن تفرض سياساتها في المنطقة من غير أن يقف في طريقها أحد. عزز الغرب ذلك الغرور المرضي لدى الإيرانيين من خلال الاتفاق النووي الذي اعتبره الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما منجزه الشخصي.
وكما يبدو فإن الحمى التي أصيب بها الغرب بسبب الضغط الأميركي السابق قد انتهى مفعولها، وصحا الجميع على كارثة عنوانها إيران التي يسر لها الاتفاق النووي سبل تصعيد سياساتها القائمة أصلا على النظر إلى دول المنطقة باعتبارها حدائق خلفية لها أو مناطق يتعين عليها غزوها.
من وجهة نظر الإيرانيين فإن إيران النووية صارت واقعا معترفا به من قبل الغرب. لقد صادر الاتفاق النووي القرار الغربي. فبدلا من أن تكون إيران في قفص، صار الغرب سجين ذلك القفص.
كان العرب إذاً محقين في اعتراضهم على إبرام ذلك الاتفاق. في وقت مبكر حذرت المملكة العربية السعودية من تداعيات ذلك الاتفاق على المنطقة. كان غضبها واضحا بالنسبة للإدارة الأميركية التي سعت إلى تمرير الاتفاق من غير النظر بطريقة جادة إلى ما يمكن أن ينتج عنه.
كان ذلك الموقف الشائك بمثابة جرس إنذار دفع السعودية إلى أن لا تتراجع عن موقفها الذي وجدت فيه مناسبة للتعبير عن رؤيتها لمستقبل المنطقة. وهي رؤية فاجأت إيران لأنها لا تقع في مجال معادلاتها.
الشبهات التي أغضبت السعودية يوم تم التوقيع على الاتفاق النووي صارت حقائق تقلق النظام الإيراني
ليست المعادلة السعودية إلا تجسيدا لوعي سياسي عربي يقوم على استعادة القدرة على التفكير بمستقبل المنطقة، بدل الانكفاء على مسألة الدفاع عن النفس التي لم تعد مجدية في ظل التمدد الإيراني في العراق ولبنان وسوريا واليمن.
كان يمكن لإيران أن لا تُصدم لو أن المسألة توقفت عند حدود الشعارات. غير أنها صارت مع الوقت تدرك أن المبادرة في طريقها إلى أن تفلت من يديها. ذلك لأن السعودية لم تعد تفكر في إنقاذ نفسها فقط.
في أوقات سابقة جرب الإيرانيون أن يفرضوا طريقة تفكيرهم على السعوديين وفشلوا. مفاوضات الحج كانت أبرز مثال على ذلك. لم يتخلّ السعوديون عن الشروط التي وضعوها أساسا لتلك المناسبة. لم يعجب الإيرانيون أن يلتزموا بقوانين السلامة التي فرضت من أجل أن لا يخرج موسم الحج من إطاره الديني. لم يفهم الإيرانيون المغزى يومها. لم تكن السعودية في حاجة إلى سوء الفهم الإيراني لتكتشف دورها الطليعي في المنطقة من غير أن تبحث عن مرجعية لقراراتها خارج ما يمليه عليه واجبها، كونها الدولة الأكبر في العالم العربي.
لا تنسف المعادلة السعودية المعادلة الإيرانية فحسب، بل هي أيضا تجنّب المنطقة آثار صراع تجده السعودية عبثيا. من وجهة نظر السعودية فإن على إيران أن تلتفت إلى شؤونها ذلك لأنه ما من أحد في المنطقة في حاجة إلى وصايتها.
هناك في المنطقة كبار ناضجون لا يحتاجون إلى نصيحة يسديها الولي الفقيه. من الصعب على إيران أن تقبل بذلك المنطق الذي كانت إلى وقت قريب تعتبره نظريا، غير أن التحولات التي شهدتها السعودية نقلت ذلك المنطق إلى مستواه العملي فصار لزاما على إيران أن تصدقه. لم تعد إيران القوة الوحيدة في المنطقة.
الشبهات التي أغضبت السعودية يوم تم التوقيع على الاتفاق النووي صارت حقائق تقلق النظام الإيراني. وهو ما شكل دعما للعقل السياسي السعودي. ما قاله الأمير محمد بن سلمان عن إمكانية أن تملك بلاده قنبلة نووية إذا ما امتلكتها إيران ليس مجازا لغويا. ذلك لأن المعادلة السعودية الجديدة تقوم أصلا على مبدأ توازن الرعب إذا لم تجد إيران حلا لمشكلاتها في المنطقة وهو ما يمكن أن تقوم به أسرع مما يتوقعه أتباعها.
إيران المدججة بالسلاح لن تقوى على مواجهة أي صراع حقيقي بسبب ضعفها الاقتصادي. وهو ما صار يدركه الإيرانيون من غير أن يتمكنوا من الخروج من مأزقهم بسبب تمكن عقدة ولاية الفقيه منهم.
فاروق يوسف