بالتزامن مع مشهد عودة مدير الاستخبارات السعودية الاسبق بندر بن سلطان للكاميرات والشاشات، بعد أن حضر للديوان الملكي الشهر الماضي للمرة الاولى منذ خروجه من منصبه، في زيارة أستمرت 12ساعة، ألقى خلالها محاضرة في السياسة والأمن لمدة أربع ساعات بمركز الدراسات والشؤون الإعلامية بالديوان الملكي، ثم حضوره مع ولي العهد حفل الشراكة السعودية الأميركية بالولايات المتحدة الخميس الماضي، بعد عاصفة تغيير جذري داخل البيت السعودي سواء على مستوى امراء المدن او قادة الجيش أو مستشاري العاهل وولي العهد، كان التغيير الجذري ايضا يحدث بالبيت الابيض الاميركي، بعد أن غير ترامب جلد فريقه تماما، وأخرها رحيل وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون وقدوم مدير الاستخبارات مايك بومبيو ليحل مكانه، ثم تعيين اليميني المتشدد جون بولتون صاحب التسعة وستين عاما الذي يوصف بأحد صقور الدفاع، المبعوث السابق في الأمم المتحدة إبان حكم الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، وأكثر المؤيدين لاستخدام القوة العسكرية ضد كوريا الشمالية وإيران، والذي شغل منصب مبعوث الولايات المتحدة بالامم المتحدة فى عهد جورج دبليو بوش ليحل مكان مستشار ترامب للامن القومي هربرت ماكماستر.
وهنا يتبين أن التغييرات الهامة التي قام بها ترامب بالتزامن مع زيارة ولي العهد للندن وواشنطن لم تكن صدفة، فالامير الشاب وصناديق بلاده السيادية لعبا دورا كبيرا وهاماً في مشهد تغييرات البيت الابيض، وهو ما نطق به ترامب أثناء اجتماعه مع الامير محمد بن سلمان عند حديثه عن ثروة السعودية، فالمستشار الجديد جون بولتون تم ابلاغه بمهامه الجديدة من ترامب عقب لقاء الاخير مع بن سلمان، وغرد على تويتر بنبأ تعيين بولتون أثناء اجتماع بن سلمان مع وزير الدفاع جيميس ماتيس.
والسؤال الان يطرح نفسه لماذا كل تلك التغييرات التي تحدث بالجملة وبتلك الطريقة التويترية في دولة هي الاقوى اقتصاديا والاضخم عسكريا كالولايات المتحدة الاميركية وليس في جمهوريات الموز؟!، وهو أمر لم تشهده الولايات المتحدة في تاريخها!، فلماذا اذا كل تلك التغييرات بتلك المرحلة؟ والى أين ستذهب الوجوه الجديدة بالولايات المتحدة وخريطة الشرق الاوسط؟.
حقيقة الامر الاجابة واضحة ومعلومة للجميع، وجاءت برسالة صديق جون بولتون الا وهو د/وليد فارس، عندما علق على تعيين صديقه كمستشار جديد للامن القومي قائلا: «تعيين بولتون كمستشار للامن القومى للرئيس ترامب هو خبر سار للعرب (السعودي)»، فالمستهدف القادم من كل ذلك بات معلوماً بعد استنزاف سوريا سبعة أعوام، فالصقور باتت تعشش في كل من البيت السعودي والابيض الاميركي، ومن المعلوم ومن تصريحات تلك الصقور ما هدفها، ولم يعد هناك شيء منتظر سوى معرفة متى ستبدأ تلك الصقور في التحليق نحو هدفها، هل بضربة خاطفة كما يرجح البعض في البنتاغون، أم عبر الاستنزاف بالثورات الملونة على غرار ثورات الربيع العبري (وهو ما كان سيحدث قريبا في ايران) كما يرجح منظرو الخارجية والاستخبارات الاميركية.
فالسعودي نقل المعركة للداخل الايراني منذ شهور كما صرح ولي العهد عبر ادوات كثيرة في مقدمتها المعارضة الايرانية بقيادة مريم رجوي والداعم الاول لهم مدير الاستخبارات السعودية الاسبق الامير تركي الفيصل، والذى هتف معهم في مؤتمر المعارضة بباريس بتموز الماضي «الشعب يريد إسقاط نظام الملالي»، كذلك ورقة تحرير الاحواز (التى تاجرت بها الرياض وساومت بها كثيرا)، أو عبر ورقة دعم التنظيمات الارهابية على الحدود الباكستانية الايرانية، وما أسفر عنه من مقتل 10جنود من حرس الحدود الايراني العام الماضي، ولولا خشية باكستان من ردة فعل ايران نحوها لفتحت اراضيها لاستقبال ابراج الاتصال وشحنات الاسلحة على حدودها مع ايران لنصب «غرفة الموك النسخة الباكستانية»، بينما تكفلت اسرائيل بالتواصل مع الجار الشمالي اللدود لايران الا وهي اذربيجان بحكم الحضور الامني والعسكري والاقتصادي والثقافي الاسرائيلي القوى داخل اذربيجان، ولكن برغم كل ما سبق وأكثر، فالسعودي وجد أن ألامر محتاج لمساندة اكثر من الاميركي كي تأتي الثمار، وهو الان دفع الثمن مسبقا كما فعل بأيار الماضي أثناء تواجد ترامب بالرياض لمواجهة قطر.
وكي نرى الصورة كاملة فلا يفوتنا الوضع بين واشنطن وأوروبا وبالتحديد برلين وباريس، وكيف ستكون السياسة بينهم في ظل رغبة الاميركي في الاختلاء بالاوروبي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، ونية الفرنسي والالماني بالاستقلالية فى ملفات هامة من السيطرة الاميركية، وهو ما عبر عنه صراحة وزيرا دفاع فرنسا والمانيا بمؤتمر ميونيخ الاخير بعد أن أعلنا رغبتهما في أنشاء قوة اوروبية مشتركة بعيدا عن وصايا البريطاني وإملاءات الاميركي.
وهو الامر الذى يفسر الكثير من السياسات المختلفة التي تتخذها المانيا وفرنسا ضد الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، فكما جاء انحياز المانيا وفرنسا لقطر ضد السعودية في الازمة القطرية كي لا تكون هزيمة قطر امام السعودية هزيمة لهم امام الاميركي بالمنطقة، كذلك جاء رفض فرنسا والمانيا (التى كانت أحد اهم اللاعبين لتنفيذ الاتفاق النووي مع ايران) ضد ما لوح به ترامب تجاه الاتفاق النووي، أما ما جاء كالصاعقة على رأس الاميركي هو معارضة المانيا بالامس طلب واشنطن بادراج حزب الله اللبناني بشقيه السياسي والعسكري على قائمة التنظيمات الإرهابية، كي تتوقف المباحثات بين الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا حول تعديل الاتفاق النووي بشكل فعلي