تحت عنوان "سمر أبو خليل ووقاحة الحوار!" كتب جوزيف طوق في صحيفة "الجمهورية": "فقط عندما تبدأ بالريجيم تلاحظ أنّ ربطات الخبز على أشكالها تقع في خانة المضرّة بالصحة، سواءٌ كانت ربطات خبز أبيض أو أسمر أو قمحة كاملة وشوفان، تماماً مثل ربطات البرامج الحوارية قبيل الانتخابات النيابية، إذ تصبح في غالبيتها عجّانات للتعتيم والتضليل والتلميع، وتنسى أصول الحوار الصحافي والإعلامي حتى وإن خدم طرفاً ثالثاً أو حجّة مغيّبة.
برنامج "سيد نفسه" يتذاكى على المشاهد، فيعترف أمامه بخطيئة تركيبته كبرنامج إنتخابي ويكفّر عن هذه الخطيئة باتّباع حوار صريح وواضح يبتعد قدر المستطاع عن مبدأ السيفة والطنجرة. وتبدأ قصة هذا البرنامج مع الإعلامية سمر أبو خليل التي لا تعترف في حلقاتها إذا كانت ضيفة أو مضيفة، إذا كانت سيدة استديو أو إذا كانت سيدة حوار ونقار.
في أول حلقتين من البرنامج، الأولى مع الجنرال شامل روكز والثانية مع النائب سامي الجميل، كان ملعب الضيفين هو استديو الحوار بعيداً من استديو الأخبار، فحاورتهما أبو خليل حيث يشعران بالثقة والراحة، واستفاضت في طرح الأسئلة غير المعلّبة والمستهلكة فوق طاولات من زجاج، وعصرت الحوارات بأسئلة حاولت طرحها بتهذيب وقح.
ومثل جرّاح يجري عملية خارج غرفة العمليات ومحامي يمارس مهنته خارج قوس المحكمة، ذهبت سمر أبو خليل مع الجنرال شامل روكز إلى جرود كسروان وجبيل، وجلست مع النائب سامي الجميل في مركز حزب الكتائب، وكأنها كانت تقول لهما طوال مدة المقابلة، حتى لو كنتم في ملعبكم لن أتوانى عن طرح أسئلتي وبأسلوبي.
وكلّما تابع المشاهد حلقات «سيد نفسه» ليرى الصورة المختلفة التي يتمّ تقديم المرشّحين فيها، كلما إتضح له أنّ البرنامج يخدم أكثر في تأكيد صورة سمر أبو خليل كمحاورة جريئة ومختلفة، تذهب إلى عرين السياسي لتقارعه بلا خجل صحافي، وجرأة حوارية يشتهيها المشاهد في البرامج الأخرى.
لا تلمّ سمر أبو خليل المنّ والسلوى في برنامجها ولا تسعى إلى تغيير المعادلات السياسية والإعلامية في البلد، لكنها في أقلّ تقدير تحاول تقديم مادة مختلفة في قالب مختلف، فتضع نفسها وضيوفها في مواقف غير مريحة، لتفسح في المجال أمام الأسئلة غير الاعتيادية أن تسقط على ضيفها علّه يزحط بتصريح غير متوقّع من هنا أو زلّة لسان من هناك".
فمع الجنرال روكز، طرحت عليه أكثر الأسئلة دسامة وإحراجاً أثناء نزولهما بالحبل من على سفح جرف صخري في أعالي بلاد جبيل، يعني انا إنقطع نفسي من المشهد وكنت أتساءل كيف كانت تهبط الأسئلة على سمر وسط هذا الشير الصخري العامودي... ومع النائب الجميل، مارست معه رياضته المفضلّة كرة القدم ومع كل ركلة على المرمى كانت تسدّد سؤالاً يتمنّى الجميع أن تسجّل به هدفاً سياسياً.
وفي كلتا الفقرتين، امتزج الجهد الجسدي مع الجهد الإعلامي، ولم يتصبّب أيُّ طرف عرقاً باستثناء كاميرا المخرج نضال بكاسيني اللاهثة خلف تصريح من أحد الأطراف، أو هفوة تصنع منها وهج اللحظة التلفزيونية وتتوّج الجهد الإخراجي المتفلّت من قوانين جاذبية الاستديو والبروجيكتورات الثابتة.
بعد حلقتين، نجحت سمر أبو خليل بثقافتها ومعلوماتها وجرأتها وحنكتها الإعلامية الوقحة في حبك البعد الشخصي بالأبعاد المهنية والاجتماعية والسياسية، وخرجت للمشاهد بنهايات لطيفة واستنتاجات مختلفة عن التنميط المعتاد في الحوارات السياسية، وأقلّه عرّفت المشاهد على معالم جديدة من أبعاد شخصية ضيفيها، حتى وإن كانت بالبيتزا التي يفضّل أكلها أو الغابة التي يحبّ اكتشافها... ولكن أبو خليل عرفت من خلال اللعبة التلفزيونية أن تدفع ضيفيها إلى البوح بما لا يقولانه عادة في البرامج الأخرى، وهذا بحدّ ذاته نجاح لهيكلية برنامج جريء.