ما شهدته الاسابيع الماضية لم يمارَس مثله في أيّ انتخابات سابقة، فالمقرّات الرئاسية اصبحت غرف عمليات تدير الانتخابات الحزبية، ومراكز للضغط على المرشحين ومحاصرة المعارضين، ومحاولة منعهم من تشكيل لوائح انتخابية، وقد كان موقف النائب السابق فارس سعيد في هذا الموضوع مجرّد إشارة بسيطة الى ممارسات موثّقة كفيلة بالطعن بنتائج الانتخاب.
على الصعيد المسيحي يستفيد «التيار الوطني الحر» من وجوده في السلطة من أعلى رأس الهرم الى الوزارات والإدارات والمحافظين والموظفين، للتأثير في نتائج الانتخابات، وقد كان لافتاً في استقبالات الرئيس ميشال عون وفي الكلام الذي يقال مواقف انتخابية، وترتيبات للوائح، وخروج عن الحياد الرئاسي، فعون قبل الانتخابات لم يعد «بي الكل»، وبمجرد اطلاقه مواقف انتخابية من القصر الجمهوري داعمة لتياره، فهذا سيفتح المجال أمام تدخّلات مؤثرة من أجهزة وادارات بدأت تتخطّى حدود مسؤولياتها وتتدخّل في الانتخابات، وخصوصاً في جبل لبنان الشمالي.
أما بالنسبة الى موقع الرئاسة الثالثة، فالأمر أيضاً يتكرّر. توظيف للإدارة والوزارات والاجهزة في التأثير على الناخبين، واتصالات مع مرشحين للعزوف أو للامتناع عن المشاركة في لوائح محدّدة، وأكثر مَن تعرّض لهذا الضغط اللواء أشرف ريفي الذي تمّ الاتّصال بمعظم مرشحيه للضغط عليهم وسحبهم، ووصل الضغط الى حدّ محاولة تعطيل تشكيل لائحة طرابلس ـ المنية ـ الضنية، عبر الطلب الى جميع مرشحي المنية الامتناع عن التعاون مع ريفي، الذي عاد وشكّل لائحته كاملة.
ويبقى السؤال: إلامَ يؤشّر هذا المنحى؟ وماذا تهدف القوى المشاركة في الحكومة من ورائه؟
الواضح أنه يتمّ الإعداد منذ الآن لتشكيل حكومة «غب الطلب» بعد إزالة أيّ تمثيل نيابي وازن لقوى الاعتراض أو تلك التي لم تدخل في التسوية، أو تلك التي يُراد تحجيمها وإخراجها لاحقاً من أيّ تشكيلة حكومية.
وتسعى قوى التسوية متكافلة متضامنة الى نيل شرعية شعبية ساحقة، تمكّنها من تشكيل الحكومة الأولى بعد الانتخابات بسهولة، وبلا عوائق. هذه القوى التي تتّكئ على تحالف «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل»، تريد ترسيخ التفاهم بأكبر كتلة نيابية، بحيث يفوز «المستقبل» بأكبر كتلة سنّية ويفوز «التيار الوطني» بأكبر كتلة مسيحية، ويستمران في الشراكة مع «الثنائي الشيعي» وفق قاعدة تجديد التسوية وتعزيزها بكتل نيابية وازنة.
وإذا كانت «القوات اللبنانية» قد باتت عملياً خارج حسابات ثنائي التسوية، فهي تسعى الى فرض نفسها بمضاعفة كتلتها النيابية، وهو ما تنبّه له ثنائي «المستقبل» و«التيار» اللذان حاصراها في كل الدوائر لكي تبقى على كتلتها الحالية، وإذا ما صدقت توقعات هذا الثنائي، فإنّ شروط مشاركة «القوات» في الحكومة المقبلة ستكون أضعف ممّا كانت عليه في الحكومة الحالية، لجهة عدد الوزراء والحقائب، وربما عندها يتمّ «بق البحصة» الحقيقية.
سيكون «الثنائي الشيعي» الرابح الأكبر في هذه الانتخابات، سواءٌ لجهة إقفال دوائره الانتخابية (باستثناء بعلبك ـ الهرمل) كما سيحافظ «التيار الوطني» على جزءٍ وازنٍ من كتلته النيابية، فيما سيفقد «المستقبل» عدداً كبيراً من نواب كتلته، وستتوزّع القوى الأخرى بقية المقاعد، ومن غير المعروف الى أيِّ مدى ستنجح المقصلة في قطع رؤوس نيابية يُستثمر كثيرٌ من الجهد والمال لقطعها، وتُستعمل كل أدوات السلطة، لمنعها من الفوز، وصولاً الى محاولة إقفال بيوتات سياسية عريقة، ومحاولة وأد حالات سياسية في المهد (خصوصاً في البيئة السنّية).