جالساً في غرفةٍ للقيادة والتحكم مصنوعة بالرسوم المتحركة في الرياض، يشن ولي العهد غزواً على إيران. وفي مشهدٍ تلو الآخر، يأمر بإطلاق سلسلة من أنظمة الأسلحة المتفوقة لتدمير العدو.
وأخيراً، تحاصر قواته تجسيداً مرتجفاً لقاسم سليماني، قائد فيلق القدس النخبوي، فيما يُشيد شعب طهران بمحررهم السعودي، وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية الأميركية.
هذه الرسوم المتحركة التي ظهرت لأول مرة على الإنترنت في ديسمبر/كانون الأول 2017، وشوهدت أكثر من 1.2 مليون مرة، تعرض صورةً حية لموقف المملكة العدواني المتزايد تجاه خصمها الإقليمي منذ تنصيب ولي العهد السعودي.
هل المقطع جاد أم محض هجاء؟ ظهر الفيديو على موقع يوتيوب والشبكات الاجتماعية تحت اسم مجموعة تُطلق على نفسها "قوة الردع السعودي". رفضت المجموعة الرد على الرسائل الإلكترونية المرسلة إلى حساباتها على الشبكات الاجتماعية لتسأل عن هويتها، بينما قال مسؤولٌ في السفارة السعودية بواشنطن إنَّ حكومة المملكة ليست لها أي صلة بالفيديو.
وأوضح برنارد هايكل، الأستاذ في جامعة برنستون الذي نشر مؤخراً عموداً يشرح فيه التحديات التي يواجهها بن سلمان في المملكة، في رسالةٍ بالبريد الإلكتروني، أنَّ الإيرانيين أنفسهم ربما أعدوا مقطع الرسوم المتحركة "لجعل السعوديين يبدون ساذجين".
وقال مراقبون آخرون من ذوي الخبرة إنَّ الرسوم المتحركة أظهرت أنَّ معدها ملمّاً بالتفاصيل البصرية للأسلحة السعودية والإيرانية من الداخل. نُشر الفيديو باللغتين العربية والإنكليزية بالتزامن، مرفقاً بترجماتٍ باللغة الفارسية، والعبرية، والماندرين الصينية، والروسية، والتركية، ولغاتٍ أخرى، ما يعني أنَّ معدي الرسوم المتحركة استعانوا بفريقٍ من اللغويين على الأرجح.
ورحبت المنظمات الإخبارية السعودية الخاضعة لسيطرة البلاط الملكي السعودي -بما في ذلك صحيفتا "الرياض" و"سبق" السعوديتان- على الفور بالفيديو باعتباره تصويراً "لواقع" للقوات المسلحة في المملكة، لكن لم تكن الصحفيتان لتروِّجا للفيديو دون تصريحٍ من ولي العهد نفسه.
كيف يرى الأمير نفسه؟
وقال بروس ريدل، الذي ألّف كتاباً جديداً عن السعودية وعمل لمدة ثلاثة عقود في وكالة الاستخبارات المركزية: "يمثل هذا كيف يرى الأمير نفسه، أو ما يود أن يكون عليه. ويشير كذلك إلى أنَّ جزءاً من محمد بن سلمان على الأقل يعيش في عالمٍ خيالي، وإذا كان يؤمن حقاً بهذه الأشياء، فنحن في مسار قد يكون مدمراً للغاية".
واقترح علماء آخرون أنَّ أحد المتوددين للأمير ربما يكون قد أمر بإعداد الفيديو لتملقه.
الأمير محمد من أشد المعجبين بالرسوم المتحركة وألعاب الفيديو، إذ أقامت مؤسسته الشخصية مشروعاً يدعى Manga Productions لإصدار رسومٍ متحركة على الطريقة اليابانية عن السعودية وثقافتها.
وعيّن وليّ العهد سعود القحطاني، رئيس مركز الدراسات والإعلام الذي تديره الدولة -الذي يشن المعارك على الشبكات الاجتماعية ضد المنافسين الإقليميين ويدافع عن المملكة ضد الهجمات على الإنترنت- مستشاراً كبيراً للبلاط الملكي.
ويقول جمال خاشقجي، المفكّر الذي كان قبل سنواتٍ قليلة صحفياً بارزاً في وسائل الإعلام السعودية الرسمية، إنَّ "القحطاني يعيش في عالم افتراضي"، حيثُ "يقود جيشاً من المتصيدين على شبكة الإنترنت".
وأضاف خاشقجي أنَّهم "يخلقون عالماً افتراضياً تُعتبر فيه المملكة قوةً عظمى، ومحمد بن سلمان هو الزعيم الأكثر شعبية. بالطبع، كل هذا بموافقته".
ويبدو أنَّ الفيديو يظهر انعكاساً دقيقاً للترسانة السعودية الضخمة باستثناء أمرين. تبدو الدبابات التي تظهر في الفيديو باسم أبرامز إم-1 -وهو النموذج الأميركي الأكثر تطوراً- أشبه بدبابات باتون إم-60 التي عفى عليها الزمن، إضافةً إلى أنَّ المملكة لا تملك السفن اللازمة لنقل الدبابات إلى إيران، وفقاً لدوغلاس باري الزميل البارز في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن.
وقال باري: "لدى السعوديين قدرة برمائية محدودة للغاية. ليس لديهم المنصات اللازمة لشن عملية برمائية واسعة النطاق".