تمر فلسطين بمرحلة الهدوء الذي يسبق العاصفة، بعد خطاب الرئيس محمود عباس، الذي حرق فيه سفن المصالحة مع حركة حماس، كما شن هجوما واسعا على إسرائيل والولايات المتحدة، وانتقد فيه ضمنيا دولا عربية.
وكشف عباس، خلال هذا الخطاب، أكثر من أي وقت مضى أنه ماض في مساعيه للتحول إلى “زعيم” في مرحلة يعاني فيها من تراجع صحي حاد، ويدرك أن عهده شارف على الانتهاء.
وقالت مصادر لـ”العرب” في القاهرة إن مصر تعمل الآن على إعادة إحياء مقترح تشكيل جبهة إنقاذ وطني، سعيا لسد الثغرات التي ولدتها سياسات أبي مازن الخاطئة.
وكشفت المصادر أن اجتماعا جرى عقده بين فصائل فلسطينية في غزة مساء الاثنين، قبل خطاب عباس بساعتين، تم الاتفاق فيه على أنه حال إقرار أبي مازن عقوبات جديدة على القطاع، فإن خيار التقارب مع القيادي الفلسطيني محمد دحلان سيكون واقعا فعليّا لتشكيل قيادة إنقاذ وطني، والبحث عن بديل قوي يمكن الاستفادة من علاقاته الإقليمية لإصلاح الأوضاع الإنسانية المتدنية في غزة.
ودعت فصائل فلسطينية في غزة، الثلاثاء، إلى رفع الشرعية عن الرئيس أبي مازن ووقف ما وصفته بـ”تفرده بالقرار الوطني”، واتهمته بـ”تضليل العدالة وقطع الطريق على مجريات التحقيق” في حادث تفجير موكب رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمدالله ومدير الاستخبارات ماجد فرج في غزة الأسبوع الماضي.
وتخلى الرئيس عباس عن النهج الدبلوماسي خلال خطابه الذي ألقاه مساء الاثنين، بعدما هاجم الإدارتين الأميركية والإسرائيلية بعبارات غير مسبوقة، كما اتهم حركة حماس بشكل مباشر بمحاولة اغتيال الحمدالله وفرج.
وقال الرئيس الفلسطيني إن هذا الأمر “ليس غريبا عليهم (قادة حماس) ولا خارجا عن عاداتهم، فهم أول من اخترع هذا النمط من الاغتيالات والقتل، وهذه سياسة ولدت معهم”.
وقال محمد جمعة، الباحث المصري في الشؤون الفلسطينية، إن تزايد الشعور لدى الشارع العربي والفلسطيني بأن أبا مازن ومعه حركة فتح لم يقدما شيئا للقضية الفلسطينية، جعله يلجأ إلى سياسة لمهاجمة الجميع حتى يختم حياته السياسية بشكل يجعل الناس تتذكر أنه “من أهان مندوب أميركا وتصدى لصفقة القرن وفضح حماس″.
عباس يدرك أن الهجوم على المصالحة وحماس، يفسح المجال للمزيد من التقارب بين حماس ودحلان، بعدما قرر فرض عقوبات جديدة على غزة
وأضاف لـ”العرب” أن “هذا الشعور بدأ يسيطر على أبي مازن منذ فترة، ولم يعد يُبقي على أي شيء، لا تقارب مع أميركا ولا إسرائيل ولا حماس ولا مصر، فهو اختار أن يصنع لنفسه مجدا في نهاية حكمه، وأفصح بشكل غير مباشر عن أنه ضد المصالحة، ولم يكن متحمسا لها منذ البداية، لأنها لم تسر وفقا لشروطه”.
وبذلك يكون أبومازن قد أذعن لوجهة نظر الصقور في صفوف فتح. ويعتقد كثيرون ينتمون إلى هذا المعسكر أن المصالحة مع حماس فخ تريد دول إقليمية أن تعزز من خلالها نفوذ غريمه محمد دحلان قائد التيار الإصلاحي في فتح، وأن محاولة اغتيال رئيس الحكومة فرصة مناسبة للتخلي عن المصالحة بشكل تام.
ويدرك عباس أن الهجوم على المصالحة وحماس، يفسح المجال للمزيد من التقارب بين حماس ودحلان، بعدما قرر فرض عقوبات جديدة على غزة.
ولا يزال الوفد الأمني المصري موجودا في رام الله في محاولة لإقناع عباس بعد التصعيد ضد قطاع غزة، ورغم ذلك أصبحت القاهرة مضطرة إلى تسريع التقارب بين حماس ودحلان لفرض السيطرة على غزة، وتطهيرها من المتطرفين وتحسين الظروف المعيشية لمليوني مواطن، وهو ما يضعف من قدرة قطر على الاستثمار في أزمات القطاع.
ويقول مراقبون مصريون إن ثمة إشارات على غضب مصري من خطاب أبي مازن، الذي جاء بعد ساعات قليلة من مكالمة هاتفية جرت بينه والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي دعاه فيها إلى ضرورة احتواء الخلافات والتغلب على الصعوبات للمضي في المصالحة.
وأعادت لهجة عباس الأمور في غزة إلى المشهد الذي كانت عليه عام 2007، بعدما وقعت مصادمات مسلحة بين فتح وحماس عقب سيطرة الأخيرة على القطاع، وهو ما يعني أن العلاقة بين السلطة وغالبية الفصائل قد تكون وصلت مرحلة القطيعة.
وينهي هذا الخطاب جهودا قام بها دحلان العام الماضي لدفع حماس وفتح للقبول ببدء المحادثات حول المصالحة.
وقال مصدر مطلع من حركة حماس لـ”العرب” إنه “إذا كانت ورقة دحلان استخدمت في الماضي القريب من جانب بعض قادة الحركة للضغط على السلطة لرفع العقوبات عن غزة، فإن التقارب مع قائد التيار الإصلاحي بفتح أصبح خيارا استراتيجيا لحماس بعدما وصلت المصالحة إلى طريق مسدود وعادت إلى نقطة الصفر، التي تنذر بانفجار الأوضاع المعيشية في غزة”.
وأضاف “أصبح دور مصر في غزة أكثر أهمية، لأنها تنظر بشكل استراتيجي إلى القطاع، وتحقق نجاحات في سيناء ولن تترك الأمور في غزة تنفلت لتكون مرتعا للمتطرفين. ونحن في حماس ننتظر رد الفعل القوي من القاهرة وندرك أنها لن تنتظر طويلا، وخلال يومين قد تقوم بدعوة الفصائل إلى القاهرة لتدارس الموقف واتخاذ كل ما يلزم”.
وقال أسامة عامر الباحث الفلسطيني لـ”العرب” إن “المصالحة لم تعد موجودة، لأن رئيس السلطة أحرق كل السفن، ولم يترك خيارا إلا انفصال غزة عن الضفة”.