هو مشهدٌ لا يتجاوز الدقيقة والنصف، إستطاع أن يجذب حواسنا في أقل من ثوانٍ، وهي معزوفة موسيقية تجاوزت حاسة السمع لتصل إلى قلوبنا غير آبهين لشخصية العازف أو هويته، لأن الفن والإبداع وصلا في رسالةٍ إنسانية فنية.
لكن اللافت أن العازف كان رجل دين، ما دفع الجميع إلى الإستغراب والإنقسام بين مؤيدٍ ومعارض، إلى أن وصل الأمر إلى معاقبته من قبل المراجع الدينية بتهمة العزف على البيانو وتشويه صورة الإسلام.
وفي التفاصيل، ومنذ 10 أيام تحديدًا نشر السيد حسين الحسيني عبر صفحته الخاصة على الفايسبوك، فيديو له وهو يعزف معزوفة موسيقية وهو يرتدي لباسه الديني،
مستندًا إلى قول السيد علي الحسيني السيستاني (حفظه الله) فيما يخص الموسيقى: "الموسيقى فن من الفنون الإنسانية".
مُضيفًا، "وعليه، اتضح ما للموسيقى من قيمة إنسانية لا ينكرها أهل الدراية بهذا الفن، ومدى تأثيرها الروحي والسلوكي والفكري على الإنسان".
وعن نشره للفيديو أوضح الحسيني قائلاً: "رغبتُ في أن أكون سبَّاقًا في هذا المجال، لأكون أول مُعَمَّم أتقن العزف على آلة (البيانو) منذ سنين، قاصدًا بذلك إظهار انفتاح الدين الإسلامي على كل إبداع إنساني باعث على الترقي في محاكاة الأصوات التي حاكها خيال إنسان بعدما سمع من صوت الطبيعة ما يدل على عظمة الخالق لهذا الكون، فإنه تعالى لو أراد أن تصمت الموسيقى، لما أودع في مخلوقاته أروع المعزوفات في حناجر الطيور، وحفيف الأشجار، وصخب الرعد، وهطول الأمطار، فتأمل".
وأضاف الحسيني، "هذا ولم يفتنا ما قد نتعرض إليه من انتقادات نعرفها مُسْبَقًا، إلا أننا ندعو الجميع أن يفتحوا شبابيك فكرهم للشمس والهواء النقي، عسى أن يروا الأمر بعين واعية بصيرة، تقف عند حد ما حرَّم الحكيم (تعالى)، لا عند ما وضعه الإنسان وفق ذوقه المتأثر بطابع الموسيقى القديم الذي لم يكن مُنْفٌكًّا عن الممارسات المحرَّمة، خلافًا لما نشهده اليوم، حيث صار بإمكاننا أن نستمع للموسيقى ساعة ما نشاء وأينما نشاء..."
ورغم عزف الحسيني الجميل، وردود الأفعال الإيجابية التي تلقاها والتي مدحت عزفه وإبداعه، واجه الحسيني إنتقادات قاسية من البعض إتهمته بتشويه صورة الإسلام، والسعي إلى الشهرة.
وبدوره، قام مكتب السيد علي الخامنئي في بيروت بقطع راتب الحسيني، بسبب ظهوره في الفيديو يعزف البيانو وهو يلبس عمامته والزي الديني، إذ صرح الحسيني قائلاً: "أشكر مكتب سماحة السيد الخامنئي (حفظه الله) في بيروت على قطع راتبي، وذلك بحجة أنني أهنت العمامة بظهوري عازفًا على آلة البيانو"، وذلك الراتب هو عبارة عن "هدية" رمزية تُعطى لطلبة علوم الدين من قبل المراجع الدينية ومنها مكتب السيد الخامنئي.
ويوم أمس أطل الحسيني عبر برنامج "للنشر" على قناة "الجديد"، ليدافع عن نفسه موضحًا: "أنه قبل أن ينشر الفيديو قام بالإتصال بأحد المجتهدين الكبار المعروفين في لبنان، لإستشارته، فكان جوابه أن نشر الفيديو لا يشكل أي مشكلة، وأيده الفكرة..."
وبعد أن علم الحسيني، بفرض العقوبة عليه، حاول الإتصال بمراجع وشخصيات تابعة للمكتب للإستفسار، ولأعطائه حق المناقشة والتعبير عن رأيه، فكان الرد عليه عبر وسيط وليس مواجهته، وجاء فيه "أنت أهنت العمامة لأنك ظهرت عازفًا على آلة البيانو في (العلن)، فكان بإمكانك العزف في الخفاء وليس في العلن" كما قال الحسيني.
وأوضح الحسيني أن الغضب الأساسي ليس صادرًا من شخص السيد علي الخامنئي في إيران، إيمانًا منه برأي الخامنئي ومواقفه من الموسيقى، إنما من قبل بعض الأفراد العاملين في مكتب السيد في بيروت.
وأخيرًا، لم تكن تهمة الحسيني سوى عزفه على آلة البيانو، تلك التهمة التي أراد من خلالها مخاطبة عقولنا وفكرنا الإنساني، وتوجيه رسالة دينية عبر الموسيقى تعبر عن مدى ثقافة الدين وانفتاحه، فكانت النتيجة "العقوبة"!!