حلّت الضربة الأميركية المتوقعة على دمشق ضيفاً ثقيلاً على يوميات اللبنانيين فأرّقت ثباتهم الأمني، ودعتهم للتفكير ملياً بالحرب المقبلة. فلا يكاد يجلس اثنان إلا وتكون ضربات مجنون البيت الأبيض وتداعياتها على لبنان ثالثهما. وسط أحاديث مكثفة عن سحب حزب الله لعديده المسلح من نقاط عسكرية سورية وتوزيعهم على الحدود اللبنانية الفلسطينية.
بعد تصريحات السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي حول استعداد واشنطن لقصف دمشق، والتسريبات الروسية التي تفيد "بأن ثمّة معطيات تقول إن الولايات المتحدة تحضر لضربات محتملة من أساطيلها البحرية، انطلاقاً من الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط والخليج والبحر الأحمر"، بات الحديث عن الحرب جزءاً من يوميات اللبنانيين، تماماً كما يحصل مع كل تطور عسكري ميداني في سوريا.
هل تنفذ أميركا التي هددت بمحطات عدة بضرب دمشق ولم تفعل، تهديدها هذه المرة، وكيف لمثل هذا التصعيد ان ينعكس على لبنان، وما حقيقة سحب حزب الله لعناصره من الميدان السوري وتعزيز وحداته العسكرية في الجنوب اللبناني؟
توضح مصادر مقربة من حزب الله لـ"ليبانون ديبايت" أن الأرقام التي يتم الحديث عنها، غير دقيقة، ولا أحد يمكن له تقدير العناصر المنسحبة من سوريا سوى الحزب نفسه. وتؤكد أن عمليات الانسحاب هذه بدأت في الخريف الماضي بعد حصول تطورات في ساحة المعركة السورية، من انكفاء المسلحين واستعادة عدد كبير من المدن ودخول الجيش السوري إليها، وبالتالي انتفى دور حزب الله في هذه المدن ومنها حلب، والقلمون، والزبداني، وحمص.
وترفض المصادر وصف ما يجري بالانسحاب، بل بإعادة التموضع، بسبب التعديلات الطارئة في ميزان القوى، وتلفت إلى أن ما يحصل هو عودة لبعض عناصر حزب الله الذين انتهى دورهم في بعض المدن السورية لقراهم الجنوبية.
أما حالة التأهب على الحدود الجنوبية موجودة دائما وتم تعزيزها، أخيراً، بسبب ارتفاع الخطاب الاسرائيلي على خلفية النزاع على الأملاك اللبنانية البرية والبحرية.
استراتيجياً، يؤكد العميد المتقاعد هشام جابر لـ"ليبانون ديبايت" أن الضربة الأميركية لسوريا هي ضمن الخطة "ج" التي أعلنتها واشنطن، وهي مخطط لها على أن تستهدف ما يقارب 40 أو 50 هدفاً في سوريا بمشاركة بريطانيا وفرنسا. والغاية منها إعادة التوازن لميزان القوى، أي إضعاف النظام السوري وضرب مقراته، بعدما أحرز الجيش السوري تقدماً في أكثر من منطقة مقابل تراجع المجموعات المسلحة، التي تريد أميركا تشجيعها ورفع معنوياتها، وبالتالي إعادة عقارب الساعة للوراء.
وعن تداعيات هذه الضربة على لبنان، يقول جابر "إذا انطلقت هذه الصواريخ سواء من البحر أو من الجو لتصيب أهدافها السورية، حتما سيكون هناك دور محضّر لإسرائيل ربما بعد عدة أيام، وإذا شاركت الأخيرة بالضربة على سوريا ستطاول لبنان لأن حزب الله لن يقف متفرجا".
أما موقف موسكو، أعلن عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صراحة، إذ أشار إلى أنه سيتصدى للضربة ويضرب قواعد الصواريخ الأميركية أرضاً وبحراً. ونشرت روسيا في سوريا صواريخ S 400 للمرة الأولى في منطقة دمشق للدفاع عن النظام السوري. ومع الرد الروسي ستتحول هذه المواجهة لحرب إقليمية ومن يضمن في حال توسيع دائرة الاشتباك الروسي الاميركي عدم حصول حرب عالمية، يوضّح جابر.
ويرى جابر أنه بإمكان أميركا إيجاد مبرّر أميركي لهذه الضربة، "في خمس دقائق"، وفي مقدمة هذه المبررات السلاح الكيميائي الذي تتهم النظام السوري باستعماله.
ويتوقع أن يسبق الإقدام على الضربة محاولة أميركية للحصول على قرار مجلس الأمن، تحت حجة ردع سوريا، وهنا لن توافق روسيا وستستعمل حق الفيتو على ذلك، ولكن السؤال هل يتكرر سيناريو اجتياح العراق نفسه؟
يؤكد جابر أن الوضع في سوريا مختلف عن العراق. فالروسي لم يكن موجوداً في العراق يوم اجتياحه، وللاشتباك المباشر مع الروس خطورة كبيرة يعيها الطرفان.
ولذلك يستبعد حصول الضربة الأميركية على سورية 90 في المئة، لأن الطرفين (الأميركي والروسي) يدركان تداعيات هذا التصعيد، لكنه لا يغلق باب التخوف من حصولها وإن كان بنسبة ضئيلة، إذ إن نسبة الـ10 في المئة هذه تعني الكثير من التخوف بالنسبة للتداعيات الخطيرة التي قد تترتب على هذه الضربة.