لا تنتهي الكوابيس المتربصة بكل بقعة طبيعية في هذا البلد الصغير الذي غيّرت حيتان الاستثمارات هويته الخضراء. وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه أهالي زبقين وياطر، جنوب لبنان، إعلان وادي زبقين محمية طبيعية استبقت جرافات وزارة الأشغال حلم هؤلاء واستأنفت منذ 3 أشهر أعمالها لالتهام طبيعة عمرها ملايين السنين.
وهي الأعمال التي سبق وأوقفتها الضغوط التي قامت بها البلديات المعنية وجمعية الجنوبيون الخضر.
تؤكد مصادر محلية لـ"ليبانون ديبايت" أن مشروع الطريق الذي تنفذه وزارة الاشغال في (وادي العزية- زبقين - ياطر - الصالحاني - رامية - بيت ليف) بطول 17 كلم بحجة وصل قضاء العزية بقضاء رامية وتوفير 22 دقيقة عن مسافة الطريق الأساسية، له خلفيات سياسية، إذ تتحضر شخصية مقربة من شخصية سياسية نافذة في الجنوب لوضع اليد على الوادي لصالح استثمارات فيه يعود ريعها للشخصية المستفيدة.
إلا أن الاعمال تمشي على قدم وساق على الرغم من اعتراض البلديات المعنية، وفي مقدمتها بلدية زبقين التي يقع القسم الاكبر من الوادي الطبيعي فيها. ويوضح رئيس بلدية زبقين علي بزيغ ان ما تقوم به جرافات وزارة الاشغال مخالفة قانونية كونه توجد في الوادي ملكيات خاصة تبلغ مساحتها ما يقارب 5 كلم. ويؤكد بزيغ أنه في حال استمرت وزارة الأشغال في عملها التخريبي في الوادي سيكون مضطرا لإغلاق مداخل وادي زبقين في نطاقه البلدي بالجرافات لمنع هذا المشروع مهما كان الثمن.
وعن أهمية الوادي، يشرح رئيس جمعية الجنوبيون الخضر الدكتور هشام يونس أن أحراج وادي زبقين تمتاز بالتواصل وبالسعة بقطر يتجاوز في بعض المواقع 306 كلم من المناطق الحرجية. وهي خصائص غير متوافرة في أي موقع آخر من جبل عامل، بما في ذلك محمية وادي الحجير.
بالإضافة إلى الكثافة الحرجية، يمتاز الوادي بالتنوع البيولوجي النباتي، وهو ما وفر تنوعاً أوسع في بيولوجيا الوادي الحيوانية. ومن بين مئات الأنواع التي تحتاج إلى دراسة مستفيضة: البطم (الذي يعمر حتى ألف عام واكتسبت المنطقة اسمه)، والسنديان، اذ يضم الوادي آخر غاباته في جبل عامل، والصنوبر والخرنوب وغيرها من الأنواع والتي تشكل بقايا الغابات القديمة التي غطت الأراضي منذ مليوني عام قبل أن تجتاح الشجيرات الباردة الحوض المتوسط ومن ضمنه لبنان.
وما يزيد من أهمية الوادي الطبيعية أن حجم الغابات في الجنوب قد تراجع بشكل كبير، اذ لا تتجاوز نسبة الغابات والمناطق الحرجية فيه 15 % (9% في محافظة الجنوب و6% في محافظة النبطية)، وفق تقرير برنامج العمل الوطني لمكافحة التصحر الصادر عن وزارة الزراعة في 2003، وهذه النسب تراجعت منذ ذلك الحين. وبالتالي، فإن المواقع الحرجية باتت محدودة للغاية في الجنوب وهو مؤشر على تردي الوضع البيئي ويتطلب تركيز الجهد لحماية ما تبقى. وأحد أهم هذه المواقع وادي العزية - زبقين - ياطر - رامية- بيت ليف - مجدل زون وغيرها.
وزاد من تنوع الوادي بيولوجياً وفرة الينابيع، وأهمها العزية، والنفخة، والعتمة، وعين القصب، والدلافة، وعين التينة، والتنور ( الصالحاني).
كما يوجد في الوادي عدد من المغاور الطبيعية بعضها يقارب مساحته 25 متراً عرضاً وعمق 35 متراً، وارتفاع 10 أمتار (عند المدخل)، كما هو حال مغارة النفخة، ومغاور الصالحاني المتقاربة التي يبلغ عددها 20 مغارة، حيث يتكاثر الحمام البري والخفافيش وتأوي العديد من الأصناف الحيوانية الأخرى.
وفرت هذه العناصر إضافة إلى عزلة الوادي وقلة النشاط البشري فيه واتساعه وتواصله تنوعاً كبيراً وفريداً في نظامه البيئي الذي يضم عشرات أنواع النباتات والحيوانات والطيور والثدييات النادرة والمهددة بالإنقراض. ومن بين الحيوانات الموجودة؛الضباع المخططة، وبنات آوى، والثعالب الحمراء، والقنافذ، والطبسون، والقطط البرية، والخنازير البرية، وسلاحف المياه العذبة، وحنكليس نهري، وأصناف الضفادع، وسرطانات المياه العذبة، إضافة إلى عشرات أنواع الطيور والزواحف والحشرات والحيوانات الأخرى.
يهدد هذا المشروع الوادي، وسيؤدي شق الطريق إلى جرف عشرات آلاف الأشجار ومنها أشجار معمرة، كما وسيقطع الطريق أوصال الغابة لأول مرة. وهذا الامر يخل بتوازن النظام البيئي للوادي وسيكون له آثار خطيرة على استدامة عناصره الأخرى ونشاط الحيوانات فيه. كما أنه سيعترض ويدمر وفق مخططه مسار السيول التي تجري في قعر الوادي وتغمره بعرض 12-20 متراً، وعمق يزيد عن 30 مترا.
ويلفت يونس إلى أنه تدمير غير قابل للإصلاح، بل على العكس فإن الأمر سيتفاقم وسيؤدي تدريجياً إلى تردي كامل المحيط الحيوي، ما ينعكس على البلدات المطلة وعلى الأراضي الزراعية غير الواقعة في الوادي، إذ ان غابات الوادي تقوم بدور حاسم في توفير الماء وجودة التربة والمياه والهواء. وتساعد على مواجهة الجفاف الذي يشكل أهم التحديات التي ستواجهها المنطقة في العقود المقبلة، وفي دورها هذا تتجاوز الغابات الوادي إلى كامل المحيط. كما أن تدمير الوادي سيؤدي إلى تردي في التربة وانتاجيتها ووفرة المياه، ما يطاول فرص وسبل تنمية القرى والبلدات.
يعول يونس على اقرار الوادي كمحمية طبيعية، الامر الذي من شأنه أن يحميها، علماً أن وزارة الأشغال تخالف قوانين حفظ الثروة الحرجية سواء قانون حماية المناظر والمواقع الطبيعية 8-7-1939 أو قانون المحافظة على الثروة الحرجية والأحراج (قانون 85-1991). بالإضافة إلى قانون حماية الغابات (558 بتاريخ 24-7-1996)، فضلاً عن مخالفتها الصريحة لمواد قانون حماية البيئة 444/2002 وتقوّض فرص تنمية البلدات.
يؤكد يونس أن معركة "الجنوبيون الخضر" مستمرة لحماية الوادي، "نحن نعمل بالتعاون مع بلدية زبقين وباقي البلديات لمنع إلحاق الضرر في الوادي الذي يشكله الطريق. وأبلغنا وزارة البيئة خطياً بالأمر وطالبنا باتخاذ الإجراءات اللازمة، واجتمعنا مع وزير البيئة طارق الخطيب ومسؤولين من الوزارة ولمسنا تجاوباً واهتماماً. واتفقنا على خطوات لمتابعة القضية والبت بملف المحمية المقدم لدى الوزارة. ونحن بصدد جولة على النواب علما أننا على تواصل معهم والإتحادات البلدية لمتابعة الموضوع واتخاذ موقف ضد التدمير الذي سيلحق بالوادي".
هل ينجح الجنوبيون الخضر بحماية وادي له من التنوع البيئي والبيولوجي ما يميزه عالمياً، أم أن المصالح السياسية ستدمر الإرث الطبيعي الأكثر تميزاً في جبل عامل؟