ما زال فحوى الإتصال بين رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ومايك بنس نائب الرئيس الأميركي يوم الخميس الماضي، محل نقاش، وجدل، وقلق أيضاً. ورغم أن البيت الأبيض ذكر في بيانه مجموعة قضايا تناولها الاتصال من بينها حماية الأقليات المسيحية، إلا أن عبارة واحدة فتحت عيوناً كثيرة: "التشديد على الشراكة العظيمة والمتواصلة بين قوات الأمن العراقية والجيش الأميركي وحلفائه".
هذا من البيان المقتضب للبيت الأبيض. عراقياً وعربياً، ركزت التسريبات على وضع القوات الأميركية في العراق بعد القضاء على تنظيم "داعش". ذاك أن العراق لا يعترف حالياً بوجود قوات بالمعنى التقليدي، بل يشير إلى "المستشارين الأميركيين". لكن الخبير الأمني في مركز النهرين للدراسات هاشم الهاشمي ادعى في تصريح صحافي بأن هناك تسعة آلاف أميركي على الأراضي العراقية، غالبيتهم من القوات المقاتلة (والبقية مستشارون). هذا جيش وقواعد عسكرية، وليس وجوداً استشارياً فحسب. لذا تُحاول الولايات المتحدة التوصل الى تفاهم مع العبادي لوضع تعريف جديد لهذه القوات، وربما ايجاد مبرر جديد لوجودها، حتى لو تقلّص عديدها، مثل الحاجة الى ردع فلول تنظيم "داعش" على الجانب السوري من الحدود لو حاولت استعادة أراض عراقية.
وهذا الوجود مرتبط أيضاً بمواجهة إيران ومحاولة احتواء نفوذها. كان ذلك واضحاً في تصريح مطلع هذا العام لديفيد ساترفيلد نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، بأن زيادة الوجود العسكري الأميركي في هذه المنطقة إحدى الخطوات المتخذة لمواجهة النفوذ الايراني والروسي أيضاً.
في المقابل، يرى الإيرانيون وحلفاؤهم في القوات الأميركية هدفاً سهلاً. قبل أكثر من أسبوع، وفي إطار التهديدات المتبادلة بين "حزب الله" واسرائيل، نُشر مقال باللغة الانكليزية لكاتب قريب من التنظيم احتوى على تهديد باستهداف القوات الأميركية في العراق في حال وقوع مواجهة اقليمية بين تل أبيب وطهران. ذكر المقال حينها أن الحزب وحلفاءه الإقليميين سيستهدفون القوات الأميركية في العراق، وألفي عسكري أميركي في شمال شرقي سوريا.
نظراً للفارق الهائل في القدرات العسكرية، تبقى هذه التهديدات الإيرانية حبراً على ورق. لا بل إن تداولها إعلامياً قد يدل على بعض التراجع الإيراني في العراق، وتحديداً على الصعيد السياسي، في ظل الانقسام الشيعي-الشيعي بعد زوال خطر تنظيم "داعش".
بيد أن العراق يشهد حراكاً مُضاداً للقوى الدينية المُهيمنة عليه منذ 15 عاماً. بعدما خرجت تظاهرات مدنية معارضة للفشل السياسي عام 2015، انضم اليها التيار الصدري، ليبدأ بعدها انعطافة تضمنت أيضاً انفتاحاً على دول عربية في المحور المواجه لإيران.
تُضاف إلى كل ذلك، طبيعة الخلاف داخل حزب الدعوة (السُلطة) بين رئيسي الوزراء السابق نوري المالكي والحالي حيدر العبادي، والتي تتطور تباعاً. بيد أن الشيعة العراقيين لم يعودوا في مرحلة تأسيسية تتطلب وحدة الصف، كما حصل بعد سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين.
منذ شهرين، أُسدل الستار عن التحالفات الانتخابية والانقسامات الواسعة بين المكونات الدينية-الشيعية. "حزب الدعوة" انقسم بين قائمتي ائتلاف "دولة القانون" (المالكي) و"النصر" (العبادي ومعه تيار الحكمة-عمار الحكيم). رئيس الوزراء الحالي يرغب في استثمار انتخابي لانتصار العراق بقيادته على تنظيم "داعش"، تماماً كما تُراهن المكونات الموالية لإيران في "الحشد الشعبي"، والتي انضوت في تحالف "الفتح المبين" (منظمة بدر وعصائب الحق ومثيلاتها).
التيار الصدري أخذ منحىً أكثر انفتاحاً، إذ ضم تحالفه "للإصلاح سائرون"، الحزب الشيوعي العراقي وبعض قادة التظاهرات المدنية ضد الحكومة.
خلاصة الأمر أن القوى الشيعية (الموالية لطهران سابقاً) تتوزع على 4 تحالفات، وبعضها، سيما تحالفي العبادي والصدر، بات خارج دائرة النفوذ الايراني الواضح. تُضاف الى ذلك، ممانعة مرجعيات النجف للتدخلات الايرانية، ودعمها علاقة طبيعية وربما مميزة مع دولة جارة، بعيداً عن التبعية والنمط الحالي للتدخلات.
ما بين قوننة الوجود العسكري الأميركي الدائم، والتنافس الانتخابي الصريح بين المكونات الشيعية-العراقية، يبدو النفوذ الإيراني إلى تراجع في العراق.