يثير رواج أنباء بشأن زيارة محتملة قد يقوم بها ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان إلى العراق جدلا متصاعدا داخل الأوساط السياسية والإعلامية العراقية، يرجعه مراقبون إلى الطابع الاستراتيجي الذي ستكتسيه الزيارة في حال تمّت بالفعل، على صعيد عودة السعودية بقوّة إلى الساحة العراقية وتطويق النفوذ الإيراني في المنطقة.
وتظهر التحركات السياسية والدبلوماسية السعودية الأخيرة صوب العراق، عزم المملكة على استخدام قوّتها الناعمة، بما في ذلك قدراتها المالية والاقتصادية، في معركتها ضد النفوذ الإيراني.
وتعّول الرياض على مشاركة أميركية فاعلة في تلك المعركة، وهو الأمر الذي أكّدته مصادر سياسية قالت إنّ الأمير محمّد بن سلمان سيفتح خلال زيارته للولايات المتحدة هذا الأسبوع الملف العراقي بمختلف تفاصيله مع إدارة الرئيس دونالد ترامب.
وحسب محللين سياسيين، فإن العراق الذي مثّل بدءا من سنة 2003 تاريخ الغزو الأميركي له وسقوط حكم البعث وصعود حكم الأحزاب الشيعية، بوّابة التمدّد الفعلي في المنطقة وصولا إلى البحر المتوسّط والبحر الأحمر بعد أن كان نفوذ طهران لا يتعدّى جيبا تابعا لحزب الله في لبنان ترعاه القوات السورية، سيمثّل مدار المعركة الأهم بمواجهة النفوذ الإيراني وضربه.
استراتيجية سعودية جديدة في العراق تقوم على تخطي أسوار الطائفية وشمول مناطق الشيعة بجهد تنموي
وكما أنّ للولايات المتّحدة مسؤولية تاريخية عن ضرب التوازن الذي كان قائما في المنطقة وكسره لمصلحة إيران، فإنّ لها دورا أساسيا في تصحيح ذلك الخطأ التاريخي، بالتعاون مع المملكة العربية السعودية.
واحتدم النقاش داخل الأوساط السياسية العراقية بشأن الزيارة المحتملة للأمير محمّد إلى العراق، إذ سارعت أطراف عراقية موالية لإيران إلى شجبها، في حين رحبت أطراف أخرى بها، معتبرة أنها تتويج للتطور الكبير في علاقات البلدين.
وعلمت “العرب” من مصادر حكومية رفيعة في بغداد، بأن العراق والسعودية “اتفقا على هذه الزيارة منذ حين، لكنهما لم يناقشا تفاصيلها أو موعدها”.
ورفضت ذات المصادر توضيح ما إذا كانت الزيارة ستقتصر على العاصمة بغداد أم ستشمل مدنا أخرى ذات أهمية ورمزية كبرى، غير أنّ نائبا في البرلمان العراقي أبلغ “العرب” بأن “ولي العهد السعودي سيزور بغداد والنجف”.
ولا تستبعد مصادر سياسية في النجف هذا الأمر بل تشير إلى أن “المرجعية الشيعية العليا ممثلة بالمرجع الديني علي السيستاني، لن تمانع في استقبال شخصية من وزن الأمير محمّد بن سلمان إذا ما رغب في ذلك”.
وتقول المصادر إن “الزيارة ستأتي ردا على الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء حيدر العبادي في أكتوبر الماضي إلى الرياض”.
ويقول النائب في البرلمان العراقي سعدون الدليمي إن “الأمير محمد بن سلمان سيزور العراق رسميا ليومين، يخصص الأول لبغداد لتوقيع اتفاقيات مع رئيس الوزراء حيدر العبادي، والثاني للنجف للقاء زعامات دينية”.
ويوضح أن “هذه الزيارة ستكون زيارة تاريخية تبشر المنطقة والمسلمين جميعا بمرحلة جديدة من السلم والتعايش بين المسلمين بعيدا عن التكفير والصراع الطائفي”.
وتشهد العلاقات بين بغداد والرياض تطورا مستمرا، فيما تعتزم السعودية استثمار المليارات من الدولارات في مشاريع صناعية وزراعية في جنوب العراق ذي الغالبية الشيعية، تنفيذا لاستراتيجيا تقوم على تجاوز الأسوار الطائفية ونزع ورقة لطالما حاولت إيران التلاعب بها.
وترى أوساط سياسية عراقية أنّه في حال صحت أنباء زيارة ولي العهد السعودي للعراق، فإنها ستشكّل دعما كبيرا لرئيس الوزراء حيدر العبادي في مواجهة منافسيه في انتخابات شهر مايو القادم من كبار رموز الموالاة لإيران والذين بدأوا فعليا في شجب الزيارة قبل أن تتأكد المعلومات المتداولة بشأنها.
وشنّ ممثل حركة عصائب أهل الحق في البرلمان العراقي حسن سالم هجوما حادا على السعودية، من على منصة المؤتمرات الصحافية في مبنى المجلس، متهما الرياض بدفع أموال لساسة عراقيين مقابل تحقيق التقارب مع بغداد.
تحركات السعودية لتطويق النفوذ الإيراني في المنطقة تتضح معالمها وتتأكد جديتها من خلال التركيز على الساحة العراقية التي سبق أن مثّلت بوابة إيران للتمدد نحو عدة بلدان في المنطقة. والزيارة المحتملة لولي العهد السعودي إلى بغداد تؤشر على بلوغ معركة تحجيم ذلك النفوذ منعطفا حاسما.
كما شمل هجوم ممثل العصائب المعروفة بموالاتها التّامة لإيران أيضا الساسة العراقيين الذين يزورون السعودية في إشارة إلى العبادي.
وفي المقابل حاول جاسم محمد جعفر النائب عن دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي التخفيف من حدّة الاعتراضات على زيارة الأمير محمّد المحتملة قائلا “الانتقاد الشديد لزيارة ولي العهد السعودي للعراق لا يخدمنا”، لكّنه استدرك بالقول إن “رئيس الوزراء حيدر العبادي إذا كان يشعر بأن زيارة الأمير محمّد بن سلمان إلى النجف قد تؤثر على مشاعر الناس وتأتي بنتائج عكسية فمن الأفضل أن تقتصر الزيارة على بغداد”.
ويقول مطّلعون على كواليس الأحزاب الشيعية في العراق إنّ القوى السياسية الموالية لإيران تمارس ضغطا هائلا على العبادي لوضع حد للتقارب بين بغداد والرياض، تلبية لرغبة طهران التي تخشى على مصالحها في العراق من “التمدد السعودي الناعم”.
وترى هذه القوى أن بإمكان حزمة استثمارات سعودية في جنوب العراق الشيعي الفقير أن تلفت نظر السكان إلى عقد مقارنات بين دوري طهران والرياض في المنطقة.
وتتحدث مصادر سياسية عن تفاهمات أولية أجرتها السعودية مع أطراف محلية في محافظات البصرة والمثنى وذي قار، بتشجيع من حيدر العبادي بشأن طبيعة المشاريع الاستثمارية التي ستقوم الرياض بتمويلها هناك.
وكان العبادي أعلن لدى استقباله وفدا إعلاميا سعوديا في بغداد أن “العلاقات بين العراق والسعودية على الطريق الصحيح ونتطلع إلى توسيعها في جميع المجالات بما يخدم مصالح شعبينا الشقيقين، والتعاون من خلال المجلس التنسيقي الذي يعد قاعدة لنمو العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري والخبرات”.