"العمالة ليست من بيئتي ولا تربيتي. فلسطين تربيت معها منذ طفولتي وهي الجزء الأهم في حياتي وموضوع اللاجئين هو هاجسي. يحاولون أن يلبسوني تهمة فبركوها لي ويحاكمونني بأبشع اتهام ممكن أن أشهده في حياتي". بهذه الكلمات ردّت جنى أبو ذياب على إتهامها بـ "التواصل مع عميل الموساد الإسرائيلي سليم الصفدي" خلال استجوابها للمرة الأولى أمام المحكمة العسكرية.
منذ الصباح الباكر اقتيدت الناشطة "جنى" (مواليد 1986) ابنة الجاهلية، من مكان توقيفها في سجن بربر الخازن الى قاعة المحكمة. جلست ساعات طوال داخل القاعة قبل أن يحين موعد جلستها. الساعة الثانية والنصف نادى العميد حسين عبدالله على المتهمة، اقتربت من المنصة لتبدأ بسرد قصّتها تماشياً مع الأسئلة التي كان يطرحها عليها رئيس المحكمة.
تحدّثت الناشطة عن دراستها الحقوق وتأسيسها جمعية "معاً الى فلسطين". مرّت بتاريخها النضالي مع حركة "فتح" دفاعاً عن القضية الفلسطينيّة واللاجئين. كانت الفتاة تلتزم دخول السلك الدبلوماسي الفلسطيني قبل توقيفها وقدّ سهّل لها حصولها على جواز سفر فخري من الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، متابعة قضية اللاجئين والدفاع عن الأراضي المحتلة. تروي "جنى" بعزّة نفس بعضاً من مشوار طويل جالت فيه العديد من دول العالم للمشاركة بمؤتمرات دولية ونشاطات ثقافية، وكتابتها مقالات وقصائد عن القضية الفلسطينية تتعلق بإشكالات الهوية وباللاجئين، حتى صار اسمها ملاصقاً للدفاع عن فلسطين. لكنّها تبكي بمرارة حين ترى نفسها مضطرة للدفاع عن نفسها من تهمة العمالة.
تتحدّث أبو ذياب عن صداقة تربطها بـ "أبو ايهاب" مسؤول أمن السفارة الفلسطينية في لبنان والذي تستشيره دائماً ويُقيّمان معاً أحداث المخيّمات. وتضيف أنّها تتواصل مع العديد من الأشخاص داخل فلسطين المحتلة عبر "الفايسبوك". ومن هؤلاء شخصيات درزية وذلك للحديث عن المبادرة الدرزية لرفض خدمة التجنيد الإجباري فضلا عن مجموعة كبيرة من الشباب الدروز من حملة "أرفض.. شعبك بيحميك".
العميل سليم الصفدي
وبالوصول الى معرفتها بالعميل سليم الصفدي، توضح "جنى" أنّها تعرفت عليه في الصيف الماضي من خلال صديق مشترك يدعى حازم مدكور، على أساس أنّه ناشط من ضمن مجموعة لديها أفكار لرفض الإحتلال وقريبة جداً من حركة "فتح".
وبسؤالها من قبل العميد عبدالله: "ألم تكوني على علم بأن الصفدي هو ضابط في جيش العدو ومستشار قانوني للعميل مندي الصفدي الذي يعمل مع رئاسة وزراء العدو وهو صاحب باع طويل في تجنيد السوريين واللبنانيين لصالحه؟" أجابت:" سيدي القاضي أنا محور علاقتي مع الناس هي فلسطين، فكلّما كنت قريبا من فلسطين فأنت قريب منّي. الذي حصل معي أنّني تفاجأت في 3 أيلول الماضي برسالة من سليم الصفدي عبر "الفايسبوك" يسألني فيها شو رأيك تشتغلي معنا بالجيش. قبل أن أرد عليه سارعت للإتصال بـ"أبو إيهاب" وأخبرته بالرسالة وقلت له اللي إنت خايف منّو صار. طلب مني "أبو إيهاب" أن أجاري الصفدي في المحادثات وأن اجرّه للحديث عبر"الواتساب" لسهولة تسجيل المحادثات التي طلب منّي إرسالها اليه تباعاً. وبالفعل طلبت من "سليم" أن يحادثني عبر "الواتساب" بعدما قلت له باستهزاء:" بدك ياني كون جاسوسة، ما بتعرف إنو الأجهزة الأمنية بتراقب المحادثات والإتصالات هلق صارت الدولة كلها عارفة". والى "الواتساب" انتقلنا بالحديث وكان كلّ ما يسألني "سليم" سؤالا أعود الى "أبو أيهاب".. لقد سألت "سليم" مع مين بدك ياني اشتغل مع العدو، مع اللي قتلو أهلي فأجابني : الانسانية شي والسياسة شي تاني. وانتهى الحوار بعدما أبديت رفضي وقلت له اذا انت بترضاني كون عميلة أنا ما برضى وما ممكن خون فلسطين".
تلك الرسائل كانت ترسلها "جنى" بطريقة الـ "سكرين شات" الى "ابو ايهاب" الذي يرسلها بدوره الى طارق نجل الرئيس الفلسطيني "أبو مازن" الذي يُعلم بها والده، حسبما أفادت.
وبسؤالها لماذا لم تبلّغ السلطات اللبنانية أو الأحزاب السياسية اللبنانية التي هي قريبة منها أجابت:" الموضوع صار بلحظتها وأنا كنت على موعد بعد توقيفي بيومين مع شخص من مخابرات الجيش كنت سألتقيه في بيت الدين أو عرمون من أجل الحديث عن هذا الأمر إلّا أن القوى الأمنية داهمتني واعتقلتني".
وأكّدت انّها كانت تتعامل مع الصفدي على أساس أنّه من المقاومين الدروز وقد تفاجأت بعرضه على "الفاسبوك"، واستغربت كيف اختارها هي من بين 300 صديق مشترك لتعريضها لهكذا موقف. وردا على سؤال إذا ما كان الصفدي طلب منها جمع معلومات عن "حزب الله" وحركة "حماس "والحركات الإسلاميّة قالت:" كان يريد معلومات عن فتح ولمّا وجد الأمور مسكرة طلب مني هيك شي عن "حزب الله" فأجبته شو بدّك ياني اتجوّز شيعي تا اخرقهم ما هنّي مسكرين ع حالن أنا يا دوب بعرف 3 وزراء لبنانيين أنا بعيدة عن الشأن اللبناني".
هنا سألها العميد "لماذا ورّطك أبو ايهاب من دون ابلاغ أحد؟" فردّت باعتقادي أنّ هناك جهة لبنانية على علم بالأمر ولا أريد أن أذكر من هي. وانتقدت أبو ذياب لماذا لم يرسل الأمن العام اللبناني وراء تلك الجهة ولم يستدعٍ "أبو ايهاب" واتهمها بالعمالة من خلال رسالة تعتبر أنّها دليل براءتها. وأضافت:" الرسالة تبرئني، اسحبوا الداتا كلّها". وتابعت وهي تبكي :" الأمن العام قال لي أنت عميلة وخاربة البلد. أنا أقول أنّ هناك تقارير أمنية طالعة من مسؤول أمني خارج لبنان بناء على إشكال شخصي".
التهمة مركّبة
وقبل أن تتابع حديثها طلبت جنى شرب القليل من الماء وبعد ما بدت عليها علامات التعب جرى إجلاسها على كرسي فتابعت كلامها :" التهمة مركبة والرسالة التي اتهموني بها بالعمالة تثبت براءتي. اتهوني بأبشع تهمة وعندما أوقفوني لم يدرِ بمكاني احد لمدة عشرة أيام متواصلة. لقد عشت عذابا وجحيما كبيرين وهددوني بأختي الصغرى. منذ توقيفي في 13 تشرين الثاني لم أرَ أحدا من أهلي".
وأشارت الى أنّ عناصر من الأمن العام حضروا منذ يومين واصطحبوها من مكان توقيفها، الى مكاتبهم وسألوها عما ذكرته في التحقيق أمام القضاء، فرفضت الإجابة وقالت سأتكلم في المحكمة وأشارت الى أنّ معاملتهم لها هذه المرّة كانت مختلفة عن التحقيقات السابقة فلم يقيدوا يديها ولم يهددوها وأخبروها أنّها شاهدة . وختمت سائلة :" كيف يريدون شهادتي في قضية ويتهونني بالعمالة؟".
وللإستماع الى إفادة "أبو أيهاب" واحد الضباط في الجيش اللبناني واحضار داتا الإتصالات المتضمنة محادثة أبو ذياب مع طارق نجل الرئيس الفلسطيني محمود عباس أرجئت الجلسة الى 17 نيسان المقبل.