كتبت بروفسور غريتا صعب في "الجمهورية": يبدو ان دونالد ترامب يمشي في عكس التيار، ويحاول اشعال حرب تجارية، والتي حسب قوله جيدة وسهلة الفوز. ويعارضه في هذا الشأن دونالد تاسك من المفوضية الاوروبية والذي يقو لان هذه الحرب سهلة الخسارة، وعلى السياسيين في جانبي الاطلسي التصرّف بمسؤولية.
تترتّب على اعلان ترامب فرض تعرفة جديدة على الصلب والألمنيوم آثار تنعكس على الشركات الاوروبية، ناهيك عن الاقتصاد العالمي. وحسب جان كلود يونكر رئيس المفوضية الاوروبية تمثل هذه الخطوة تدخلا سافرًا لحماية الصناعة المحلية، ولا تستند الى اي مبرّر ومنها الأمن القومي. كذلك اضاف يونكر «اننا لن نقف مكتوفي الايدي وسنردّ بصرامة وبما يتماشى للدفاع عن مصالحنا».
الامر الاكيد ان هذه الاجراءات الاميركية سيكون لها تأثير سلبي على العلاقات بين جانبي الاطلسي وفي الاسواق العالمية، لذلك وحسب Cecilia Malustrom ستراقب لجنة التجارة في المفوضية التطورات وعند الضرورة ستقترح توافقًا لاجراء وقائي يكون هدفه الحفاظ على استقرار سوق الاتحاد الاوروبي.
وللعلم، لا يمكن القول ان ترامب بخطوته هذه قضى على منظمة التجارة العالمية انما الصين قبله ساعدت في هذا الموت البطيء سيما وانها لم تقبل يوما قواعد منظمة التجارة العالمية. وماذا يحدث الآن، سيما وان الاتحاد الاوروبي سوف يتحدّى ترامب والرسوم الجديدة امام لجنة تسوية النزاعات في منظمة التجارة العالمية. ومن المرجّح انه لا يمكنهم كسبها سيما مع المادة 21 في منظمة التجارة الدولية والتي تستثني الامن القومي في حال اظهرت الدول انه السبب لتستبعد وارداتها.
والامر الاكيد ان المشاكل التجارية مع الحلفاء المقربين ومع الصين تراكمت على مدار عدة سنوات واثبتت قواعد منظمة التجارة العالمية انها غير كافية وليست صارمة لحل هكذا نزاعات.
الواقع ان حربا تجارية ليست في مصلحة احد، لكن من الواضح ان المنظمة تشعر بالقلق ازاء اعلان الخطط الاميركية لفرض رسوم على الصلب والالمنيوم، والامر الاكيد ان رأي ترامب تجاه المنظمة يبعث القلق وهو يرى علة وجودها التغلب على الولايات المتحدة الاميركية رغم ان الولايات المتحدة لعبت دورًا رئيسيًا في انشاء منظمة التجارة العالمية. وحسب ترامب، تخسر اميركا جميع القضايا تقريبًا في منظمة التجارة العالمية وهذا يتعارض مع الواقع اذ ان الولايات المتحدة فازت بغالبية النزاعات منذ تشكيل المنظمة في العام 1994 وهو امر واقع اذ ان المدعي دائمًا يفوز وحالها حال 164 دولة اعضاء.
واذا كان الواقع ان ترامب استثنى كندا والمكسيك من هذا المخطط فإن التعرفات ستكون اكثر ضررًا للبرازيل وكوريا الجنوبية وروسيا والتي تساهم بنحو ٣٢ بالمائة من استيراد الولايات المتحدة لهذه المواد اي واردات الصلب الاميركية.
وتعرفات الالمينوم ستضرب روسيا والامارات العربية المتحدة. كذلك هددت اوروبا بالرد على خطوات ترامب، انما ردها قد يكون ضعيفًا جدًا سيما بالنشبة الى التعرفات التي تتوعد بها مثل زبدة الفستق وعصير البرتقال، وهي خطوة غريبة بعض الشيء وقد تكون غبية حسب جان كلود جونكر. قد يكون الحديث عن الثأر والانتقام من الاتحاد الاوروبي والصين وشركاء تجاريين اخرين يزيد من احتمال تباطؤ النمو الاقتصادي ويؤثر سلبًا على اسواق الاسهم والسندات خوفًا من ان يكون ترامب بدأ بالفعل حربًا تجارية.
السؤال الذي يطرح نفسه في خضم هذه الردود بين الاطراف، ما هو دور منظمة التجارة العالمية، وهي الحكم في النزاعات التجارية العالمية وتحاول ضمن نصوص اتفاقياتها الحد من الحواجز التجارية؟ وفقًا لقواعد منظمة التجارة العالمية، استخدم ترامب حجةً نادراً ما تُستعمل من المنظمة الا وهي قانون العام ١٩١٢ والذي تعطيه سلطة لخفض الواردات اذا ما كانت تقوّض الامن القومي.
اذا راجعنا الاحداث السابقة، نرى انه عندما اعلن الرئيس جورج دبليو بوش رفع تعرفات الصلب في العام ٢٠٠٢ انخفض الناتج الاجمالي بنسبة ٣٠،٤ مليون دولار حسب لجنة التجارة الدولية الاميركية، كذلك خسرت الولايات المتحدة الاميركية حوالي ٢٠٠،٠٠٠ فرصة عمل حوالي ١٣٠٠٠منها في الصلب الخام حسب احد التقديرات. كذلك قضت منظمة التجارة العالمية بأن تعرفات بوش غير قانونية.
وقد تنعكس هذه الخطوة سلبًا على الولايات المتحدة اذ انها قد تدفع الاسعار صعودًا، ويمكن ان تزيد التوترات التجارية وترفع من نسب التضخم مما يعني ضرورة رفع اسعار الفوائد بشكل اسرع مما كان متوقعًا. ومن ناحية اخرى اذا ما ادّت هذه التعرفات الى فقدان وظائف وتباطؤ في الاقتصاد فقد يضطر الاحتياطي الفيدرالي الى تخفيف وتيرة ارتفاع سعر الفائدة.
ووفقًا لقواعد منظمة التجارة العالمية فان الدول لديها حجة في اجراءات تجارية لحماية المصالح الامنية الاساسية وهذا لن يمنع دولا اخرى من الطعن في صحة استعمال الولايات المتحدة لذلك الشرط.
والتاريخ يشهد على ان عمليات كهذه قد تكون خطرة على الاقتصاد العالمي ونستذكر منها احد اسوأ الامثلة وهي Smoot- Hawley act حيث ان الكونغرس وافق على رفع التعرفات الجمركية الاميركية بنسبة ٢٠ بالمائة عام ١٩٢٠ وقد تكون هذه الخطوة سببًا في تعميق الركود الكبير.
ووضعت اساسًا لحماية المزارعين الاميركية انما العديد من الصناعات الاخرى طالب بنفس المعاملة في شأن الحماية فانهار الطلب وخفضت الدول عملتها وفرضت المزيد من الحماية والحواجز التجارية مما يعني ان التجارة العالمية سقطت من منحدر عال جدا. كذلك، حدث هذا الامر في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي عندما رفع رونالد ريغان الرسوم الجمركية المفروضة، كذلك فعل بيل كلينتون على السيارات اليابانية.
واخيرًا الرسوم الجمركية هي احدى الوسائل التي تستعملها الدول لحماية صناعاتها المحلية انما قد تتأتى عنها عواقب جمة تعيق الاقتصاد وتدفع في بعض الاحيان نحو الركود.
اذا قرر الفدرالي الاميركي التوجه نحو رفع اسعار الفوائد فهذا يعني ان المسار جيد، لكن تردداته على الاقتصاد العالمي قد لا تكون بنفس الحجم. وقد يعني فيما يعنيه حربا تجارية جديدة لن تستطيع معها منظمة التجارة العالمية فعل اي شيء. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ما اذا كان ترامب يسعى لتخريب منظمة التجارة العالمية رغم ان اميركا لعبت دورًا كبيرًا في انشائها.