لم يسبق لشخصية لها حيثيتها الشعبية وترشّحت عن أحد مقاعد بعلبك – الهرمل النيابية ضد لائحة الأمر الواقع إلا واتُهمت بالعمالة لإسرائيل. اليوم وبعدما أصبحت هذه التهمة في عداد "الكليشيهات الانتخابية" التي ما عادت تُغني ولا تسمن من أصوات، ابتكر الثنائي الشيعي شماعةً جديدة من وحي حرب حزب الله على الإرهاب، ألا هي "حلفاء داعش والنصرة".
رقّى حزب الله منافسيه في بعلبك الهرمل من رتبة العمالة إلى رتبة الإرهاب، متهماً كل شريف أبى أن يكون نائباً على ظهر تجويع المنطقة ويحاول جاهداً البحث عن إنماءٍ يليق بالمنطقة وأهلها، بصلب مقاومته، متناسياً عن قصد أو عن غير قصد، أن لا بيتاً في بعلبك الهرمل إلا وله نصيبٌ من الشهادة، سواء على مستوى الحرب مع إسرائيل أو الحرب مع الإرهاب.
لا زالت أصداء آخر تصريحٍ مسرّب للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، صباح أمس، الذي قال فيه "لن نسمح بأن يمثل حلفاء النصرة وداعش أهالي بعلبك – الهرمل"، تضجّ في شوارع المدينة والقرى والمجاورة.
فسرى كلام نصرالله كالنار في هشيم البقاع الشمالي الممتعض من أداء نواب حزب الله الذين يغيّبون المنطقة وإنمائها عن سلم أولوياتهم، فلا يكاد يجلس اثنان إلا ويكون السؤال التالي ثالثهما: كيف تُنسب هكذا اتهامات لمدينة الشهداء، ولمنطقة لطالما كانت خزان المقاومة بالدم والأصوات؟
تؤكد مصادر مقربة من حزب الله لـ"ليبانون ديبايت" أن كلام نصرالله المسرّب من اجتماع داخلي جمع الأخير بكوادر الحزب، جاء رداً على معلومات وردت لحزب الله عن عدد من المرشحين في بعلبك الهرمل تقوم المملكة العربية السعودية بتمويل حملاتهم الانتخابية، لتنفيذ أجندة سياسية مستغلين حالة الحرمان التي تعاني منها المنطقة.
لا شكّ أن الحالة الاعتراضية اللافتة في صفوف أهالي بعلبك الهرمل دعت نصرالله لتبني هذه الاتهامات، وخوفه على مقاعده المهددة اضطرته للتصعيد وإن جزافاً. ويتوقع أهالي المنطقة المزيد منها مع اشتداد حماوة المعركة الانتخابية. لكن كيف يردّ بعض المرشحين المعارضين لحزب الله على هذا التصريح وفي أي إطار يضعونه؟
يتأسف المرشح عن المقعد الشيعي علي صبري حمادة "لتجاهل السيد الذي نعتبره رمزاً، لسوء أداء الاشخاص الذين يختارهم حزب الله لتمثيل بعلبك الهرمل في الندوة البرلمانية، ويا ليته يحثّهم لتحسين أدائهم بدلاً من اتهام الآخرين بأن لديهم أهدافاً مشبوهة، لم ولن تكن يوماً من شيم أهل منطقتنا".
ويدعو حمادة نصر الله لتسمية المرشحين الذين يمثلون داعش بالأسماء "إن وجدوا لمحاربتهم سوياً". ويرى أن "فحص الدم انتهت صلاحيته، فلنتساعد ونتنافس لخدمة أهل المنطقة عوضاً عن رمي اتهامات جوفاء مبنية على خطاب ممجوج من دورة انتخابية لأخرى وهي اتهامات لا تمت للأخلاقيات الديمقراطية بصلة ولا تليق بالاستحقاق والمنطقة".
بدوره، يقول رئيس المركز العربي للحوار الشيخ عباس الجوهري المرشح عن المقعد الشيعي في بعلبك الهرمل: "بعدما اكتشف سماحة السيد أن كل الخطابات الإقناعية في بعلبك الهرمل فاشلة بامتياز لأن أهل البقاع لم يعترضوا يوماً على السيد نصرالله والمقاومة، إنما على أداء نوابه ووزرائه الذين تعالَوا واستكبروا على شعبهم، فأخذتهم العزة في الاسم ليتهموا الناس بخيارات داعش والنصرة".
ويشدد الجوهري على ان "لا مكان بيننا لمن يدعم النصرة وداعش"، ويضع كلام نصرالله في إطار التخبط إذ إن "الخطاب التعبوي التحريضي لم يعد يأتي أكله بعد اليوم، فهم ابتعدوا كثيرا عن الناس ولذلك يتخبطون، والممارسة القمعية والقهرية لا بدّ أن تتفجر يوماً في صناديق الاقتراع".
لم تقتصر حالة الامتعاض من كلام نصر الله على المرشحين الشيعة المعارضين لحزب الله، بل وصلت إلى المرشحين المعارضين من الطوائف الأخرى، والذين بالتأكيد لم يستثنِهم نصرالله من كلامه.
يوضح مرشح حزب القوات اللبنانية عن المقعد الماروني في بعلبك الهرمل الدكتور أنطوان حبشي "أن كرامة الإنسان في بعلبك الهرمل وحياته ولقمة عيشه جميعها أصبحت على المحك، ومن المعيب أن يحوّل شخص بحجم نصرالله، دائماً، التنافس الديمقراطي الصحّي إلى اتهامات لا تمتّ للحقيقة بصلة". ويضيف "عملياً، من توافق مع النصرة وداعش، وأخرجهم بباصات مبرّدة هو حزب الله وليس العكس".
ويرحّب حبشي بعرض نصرالله بزيارة منازل البعلبكيين،للوقوف على معاناة جمهوره. لكنه في الوقت عينه، يشير إلى أنه إذا كان هدف الزيارة للضغط عليهم فهو أمر معيب، خصوصاً بعد حرق لافتات القوات الانتخابية في منطقة ايعات، متوقعاً أن "حزب الله يريد الدولة مثلنا وأكثر".
ويلفت المرشح القواتي إلى أن الارباك الذي أحدثه أهل المنطقة للحزب لا يجب أن ينعكس عليه بهذه الطريقة، باعتبار أن المرشحين المنافسين يشاركون همّ أهلهم.
وينصح نصرالله بدل شحن النفوس وجوب تقبُّل ردود الفعل أو الرفض الذي يحيطه، وتحديداً من أبناء الطائفة الشيعية الذين لم يقفوا يوماً ضد سياسة حزب الله.
من جهته، يشدد مرشح تيار المستقبل عن المقعد السني في بعلبك الهرمل حسين صلح على أن "لا دواعش بين المرشحين، كلهم أبناء بعلبك الهرمل ومن نسيجها، ولا تكفي معارضة سياسة حزب الله التهميشية في المنطقة لرمي التهم جزافاً بحق المرشحين".
ويقول صلح "إضبارة حزب الله الاتهامية كبيرة لكل من يعارضه، تبدأ بالعمالة لإسرائيل، ولا تنتهي بالتمويل الخارجي، واليوم هناك تهمة جديدة هي الإرهاب".
في إطار "عجز حزب الله عن ممارسة الحياة الديمقراطية" يضع صلح كلام نصرالله الأخير. ويرى أنه "بدلاً من أن يردّ على الاعتراضات الشعبية في منطقة بعلبك الهرمل بالإنجازات الفعلية على صعيد التنمية والأمن، يعمد لاستعمال لغة غير صالحة للممارسة الديمقراطية في المنطقة".
عند الألم يصرخ الإنسان، يبكي، يتمرّد ويقول لا... وهذه المنطقة يا سماحة السيّد ضاقت من التهميش الممنهج على مستوى الإنماء والتوظيف، ما أوجعها، فاسمح لها بالصراخ أو أعِد لها حقها بالعيش الكريم.