في الفارق بين اعتقال الممثل المسرحي اللبناني زياد عيتاني بتهمة العمالة لإسرائيل، وما أعقبه من تشهير اعلامي متواصل، وبين توقيف المقدم سوزان الحاج، والدفاع الشرس عنها، تتشكل صورة الطبقة السياسية الحاكمة وكل أجهزتها ومن ضمنها وسائل الإعلام الخاصة.
بداية، هل تذكرون ليلة القبض على الممثل اللبناني زياد عيتاني وما تلاها من روايات في الاعلام المرئي والمكتوب؟
نقطة الانطلاق، أي البيان الأول لمديرية العامة لأمن الدولة، تحدث عن إنجاز "عملية نوعية استباقية في مجال التجسس المضاد" أسفرت عن اعتقال عيتاني "بعدما تمكنت فتاة إسرائيلية تُدعى كوليت فيانفي من إغوائه وتجنيده بعدما تعرّف عليها عام 2014 عبر موقع الفيسبوك حيث تبادلا الرسائل، ظنًّا منه أنّها سويدية. وعليه قامت وحدة متخصصة من أمن الدولة بعد الرصد والمتابعة والإستقصاءات على مدار شهور داخل الأراضي اللبنانية وخارجها، وبتوجيهات وأوامر مباشرة من المدير العام اللواء طوني صليبا، بتثبيت الجرم فعليًا على المشتبه به زياد عيتاني".
بحسب البيان عينه، نفى عيتاني "في بداية استجوابه كل ما يُنسب إليه، ولكن لدى مواجهته بالأدلة التقنية، كبيانات حسابه على فيسبوك وبريده الإلكتروني، اعترف بهدوء". ثم أوردت أمن الدولة أربع مهمات كلفته بها عميلة الموساد كوليت، بينها طبعاً التهمة الخرافية الشهيرة، وهي "العمل على تأسيس نواة لبنانية تمهّد لتمرير مبدأ التطبيع مع إسرائيل، والترويج للفكر الصهيوني بين المثقفين".
منذ هذا الإعلان في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، توالت الهجمات الإعلامية المنسّقة على زياد عيتاني في نشرات الأخبار وعلى كل القنوات دون استثناء. قناة "الجديد" ذهبت بعيداً بإعداد وبث تقرير مصوّر تضمن مقابلات مع أشخاص ادعوا وأوحوا أن زياد عيتاني ووراءه الموساد الاسرائيلي خطط للسيطرة على رابطة جمهور نادي النجمة لإحداث فتنة في البلاد.
لم يتوقف الإعلام اللبناني عن مضغ سُمعة زياد منذ اعتقاله وحتى إحالة التحقيق إلى فرع "المعلومات" المعروف بمهنيته وقدراته التقنية العالية. لم يبق إلى جانب زياد سوى بعض أفراد عائلته، بينهم مُوكله المحامي رامي عيتاني.
الصورة انقلبت في حدث اعتقال المقدم سوزان الحاج حبيش الرئيسة المُقالة لمكتب مكافحة الجرائم الالكترونية. سوزان زوجة زياد حبيش ابن الوزير والنائب السابق فوزي، وشقيق النائب الحالي "عن العائلة" هادي. للحاج وعائلة زوجها شبكة علاقات واسعة في الاعلام والسياسة تبدو جلية في المواضيع الترويجية لها، وصور اللقاءات وحفلات العشاء الراقية.
لهذا السبب، سُرعان ما بدأ الدفاع عنها تلميحاً ومباشرة غداة التحقيق معها وتوقيفها. سياسياً، ومنذ اليوم الأول، كشف أحد الوجوه الإعلامية القريبة من التيار العوني، عن مقاربة طائفية مع قضية جنائية بحت، وكأن الإفراج عن عيتاني، يفترض حكماً إطلاق سوزان الحاج من أجل ضمان التوازن.
وهذا عملياً ما عبّرت عنه الاعلامية مي الشدياق، إذ طالبت بالافراج عن الحاج ورفع "الظُلم" عنها أسوة بعيتاني في تغريدة لها تداولها الإعلام على نطاق واسع. حتى رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري نفسه قال عند استقباله عيتاني إن أخطاءً حصلت و"جُلّ من لا يُخطئ"، وكأنها عملية إخفاق في إعداد قالب حلوى، لا تلفيق تُهمة وتلطيخ سُمعة وسجن لشهور!
وكما كانت سبّاقة في إطلاق التهم ضد عيتاني عند اعتقاله، تضمنت مقدمة نشرة قناة "الجديد" قبل أيام قليلة، اتهاماً مبطناً للمقرصن المُحتجز ايلي غبش بتلفيق قضية عيتاني للحاج. جاء في هذه المقدمة أن المقرصن إيلي غبش قال لسوزان الحاج: "أنا ارتكبت خطأ وكلانا عليه دفع الثمن". القناة ذاتها أعدت تقريراً ثانياً تضمن مقابلة مريحة جداً مع زوج المُقدم الحاج، يُركز مثل تغريدة الشدياق على براءتها والجانب الإنساني في اعتقالها.
في المقابل، ينتمي غبش الذي زارت وسائل الاعلام قريته في زغرتا بعد توقيفه، إلى عائلة متوسطة الحال، بدليل أن محاميه من أقربائه، تماماً كزياد. وبالتالي فإن هذا الشاب يُمثّل هدفاً سهلاً، والعمل جار الآن لتحويله من مُقرصن غير شرعي يعمل لمصلحة جهات أمنية نافذة، إلى لاعب مُستقل قرر من تلقاء نفسه استهداف الممثل زياد عيتاني، تماماً كما لَفّق تهمة العمالة لعسكري متقاعد (للانتقام منه اثر خلافات شخصية، كما تداولت وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة خلال الأيام الماضية).
هذا الإعلام الذي يبدو أقرب للسلطة أكثر من أي يوم مضى، يقود معركتين: الأولى تتعلق بمظلومية الحاج، والثانية شيطنة غبش وتضخيم دوره وأيضاً التشكيك بصدقية عيتاني لدحض أي اتهامات ينطق بها.
في نهاية المطاف، ستمتلئ قضية عيتاني بالأبرياء، من جهاز أمن الدولة إلى سوزان الحاج. لن يبقى سوى قليل الواسطة المُقرصن إيلي غبش. ومن يدري، حتى هو قد يخرج لاحقاً بموجب قانون العفو المرتقب.