قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة تلفزيونية أذيعت مقتطفات منها، الخميس، إن السعودية ستطوّر قنبلة نووية إذا أقدمت منافستها إيران على تلك الخطوة.
ويأتي هذا التصريح في رسالة مزدوجة وقوية، موجّهة إلى إيران والدول التي تدافع عن الاستمرار بالاتفاق النووي مع تعديلات محدودة، أياما قبل زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن التي سيكون الموقف من إيران أحد أبرز محاورها.
وقال ولي العهد (32 عاما) في المقابلة التي أجرتها معه قناة سي.بي.إس، والمقرر بثها، الأحد، إن المملكة العربية السعودية لا تريد حيازة قنبلة نووية لكنها ستطوّر دون شك مثل هذه القنبلة في أسرع وقت ممكن إن أقدمت إيران على تلك الخطوة.
واعتبر متابعون للشأن السعودي أن تصريحات الأمير محمد بن سلمان عن إيران فيها إشارة واضحة إلى الدول الغربية بأن السعودية الجديدة ستبني علاقاتها المستقبلية على قاعدة المواقف مقابل الصفقات، وأنها لن ترضى أن يتم التعامل معها فقط كجهة مانحة يقف دورها عند ضخ الأموال لفائدة الشركات الغربية دون الحصول على مقابل ذلك في الملف الإيراني بالدرجة الأولى والبعض من الملفات الثانوية الأخرى مثل ملف قطر.
واعتبر ولي العهد السعودي أن إيران ليست ندا للسعودية، فجيشها ليس من أقوى خمسة جيوش في العالم الإسلامي. والاقتصاد السعودي أكبر من الاقتصاد الإيراني، إيران بعيدة عن أن تكون ندا للسعودية.
وبشأن وصفه المرشد الإيراني علي خامنئي بـ”هتلر الجديد”، قال “بكل تأكيد.. لأنه يريد التوسع. يريد إنشاء مشروعه الخاص في الشرق الأوسط، بما يشبه كثيرا هتلر الذي أراد التوسع في فترة ما. دول كثيرة حول العالم وفي أوروبا لم تدرك خطر هتلر حتى حدث ما حدث. ولا أريد أن أرى نفس الأحداث تقع في الشرق الأوسط”.
ويرى المتابعون أن تصريحات ولي العهد السعودي مهمة في توقيتها في ضوء مساع أوروبية لإثناء الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن موقفه الهادف إلى وقف العمل بالاتفاق النووي ومنع طهران من الحصول على مزايا رفع العقوبات الدولية ضدها، فيما تستمر السلطات الإيرانية باستهداف الأمن القومي لجيرانها وبينهم السعودية.
ويلفتون إلى أن بعض الدول المشاركة في الاتفاق تعلي مصالحها المباشرة على الأمن في الشرق الأوسط من خلال الدفاع عن تغييرات طفيفة على الاتفاق، ما يفتح الطريق أمام شركاتها للبقاء في إيران، وبالتوازي تسعى للحصول على صفقات ومشاريع كبرى مع السعودية دون أي التزام سياسي مثلما هو حاصل مع إيران.
وانتقدت الرياض الاتفاق النووي الموقع في 2015 بين القوى العالمية وطهران والذي تم بموجبه رفع عقوبات اقتصادية عن إيران في مقابل تقييد برنامجها للطاقة النووية. وسيعاد فرض العقوبات الأميركية ما لم يوقع الرئيس دونالد ترامب على تمديد تعليقها في 12 مايو.
وتعجل المملكة بخطط لتطوير القدرة على توليد الطاقة النووية في إطار خطة إصلاح يقودها ولي العهد، تهدف إلى الحدّ من اعتماد الاقتصاد على النفط. وتخوض السعودية صراعا على النفوذ مع إيران في الشرق الأوسط ومناطق أخرى.
وتسعى الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وروسيا وفرنسا والصين للفوز بعقود بعدّة مليارات من الدولارات لبناء أول مفاعلين نوويين للسعودية.
وقالت المملكة، وهي أكبر مصدر للنفط في العالم، من قبل إنها ترغب في امتلاك التكنولوجيا النووية للاستخدام السلمي فقط، لكنها لم توضح ما إذا كانت ترغب أيضا في تخصيب اليورانيوم لإنتاج وقود نووي، وهي عملية يمكن استخدامها أيضا في إنتاج أسلحة ذرية.
ولا يمكن للشركات الأميركية عادة نقل التكنولوجيا النووية إلى بلد آخر إلا إذا وقعت معه الولايات المتحدة اتفاقا يستبعد تخصيب اليورانيوم محليا أو إعادة معالجة الوقود النووي المستنفد وهي عمليات يمكن أن تستخدم لأغراض عسكرية.
ورفضت السعودية في محادثات سابقة توقيع أي اتفاق يمنعها من تخصيب اليورانيوم يوما ما.
ووافقت الحكومة، الثلاثاء، على السياسة الوطنية لبرنامج الطاقة الذرية. وتشمل السياسة “حصر جميع الأنشطة التطويرية الذرية على الأغراض السلمية في حدود الأطر والحقوق التي حددتها التشريعات والمعاهدات والاتفاقيات الدولية”.
واعتبر محللون سياسيون أن تصريحات ولي العهد السعودي تمثل قطيعة سعودية مع الدور الذي تلعبه إيران في المنطقة، وأن الرياض لن تقبل بوضع تكون فيه موازين القوى تميل لكفة طهران سواء من بوابة القوة التقليدية عسكريا والتي تحاول من خلالها فرض الأمر الواقع بتدخلها المباشر أو عبر عملاء محليين في العراق وسوريا واليمن ولبنان، أو بتطوير ترسانتها من الصواريخ الباليستية.
وأشار المحللون إلى أن ولي العهد السعودي يقدم بلاده في مصاف الدول الكبرى في العالم، والتي لا يمكن مقارنة قواها الاقتصادية والعسكرية كما أهدافها السياسية بتلك التي في إيران، وبالتالي فإن موقفه من تمدد طهران لا ينطلق من خوف منها على موقع بلاده، بل مما تشكله من تهديد على الأمن العالمي برمته.
وأكدوا أن إعلان الأمير محمد بن سلمان عن أن بلاده ستطوّر سلاحا نوويا إذا ما ذهبت إيران هذا المذهب يبعث برسالتين، واحدة إلى إيران بأن الردّ السعودي لن يكتفي بالتحفظ والاحتجاج السياسي، وأخرى إلى المجتمع الدولي برمته مفادها أن السعودية ستكون مضطرة إلى اقتناء سلاحها النووي إذا ما سمحت أي مرونة دولية لإيران بتطوير برنامج نووي لأغراض عسكرية.
ولا تقف رغبة السعودية الجديدة في بناء قوة توازن مع إيران على الجانب النووي، فقد عملت على التحرك دبلوماسيا وعسكريا واقتصاديا لبناء قطب إقليمي عربي تلعب فيه مصر دورا محوريا لمواجهة التمدّد الإيراني.
كما عملت على توطين الصناعات الدفاعية بما يسمح لها بحرية أكبر في معاركها باليمن بالدرجة الأولى، على أن تلك الخطوة ستكون نواة لتعديل أسلوب الاعتماد الكلي على الشراءات الخارجية.
ونشرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، الخميس، تقريرا سلطت فيه الضوء على مساعي الحكومة السعودية لتوطين الصناعات الدفاعية داخل البلاد، وإطلاق صناعة الطائرات محليا.
وذكرت الصحيفة أن الشركة السعودية للتنمية والاستثمار التقني، والتي تعرف أيضا بـ”تقنية” وهي شركة سعودية حكومية مملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، أنفقت مؤخرا نحو 44 مليون دولار على شراء معدات متطوّرة لتصنيع قطع غيار الطائرات وتجميعها.
وقالت الصحيفة إن كبرى شركات الدفاع في العالم تدرك أنه سيتوجب عليها توطيد بعض الصناعات في المملكة، في حال أرادت الاستمرار في بيع منتجاتها لإحدى أكثر الدول إنفاقا على الدفاع في العالم.