تعبيراً عن عدم تقبُّله ترشيح رئيس منطقة جبيل في “حزب الله” لتمثيلها في مجلس النوّاب لكونه من خارجها قال رئيس “التيّار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل على طريقته أي بتسرّع وعصبيّة كلاماً اعتبره “الحزب” قيادة وقاعدة وشعبيّة في غير محلّه بل مُسيئاً. إذ طلب منه ومن دون أن يُسمّيه احترام الأكثرية في المناطق التي يشكّل أنصاره وشعبه فيها أقليّة، تماماً مثلما يحترم هو وتيّاره “الحزب” في المناطق التي يُشكّل فيها وشعبه أقليّة. طبعاً هذا الكلام ليس حرفيّاً لكنّه لا يناقض مضمونه. فَهِمَ “الحزب” تماماً مَقْصَدَ قائِلِهِ وشعر بالمرارة وربّما بالحاجة لا إلى إعادة نظر فوريّة في العلاقة معه وتيّاره، بل إلى إجراء تقويم جديد لها بعد الإنتخابات النيابيّة. كما قرّر مراعاة وليّ نعمته السياسيّة، ومُوَرِّثه التيّار الذي أسّسه بـ”نضاله” سنوات عدّة أمضى مُعظمها في المنفى، أي الرئيس العماد ميشال عون إذا طلبها. ويبدو أنه طلبها عندما اتّصل بالقيادة الحزبيّة العُليا طالباً إبدال المرشّح الإنجيلي المُنتمي إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي في دائرة بيروت الإنتخابيّة الثانية رغم إعلان ضمّه إلى اللائحة التي ترعاها بمرشّح آخر عوني كان باسيل طلبه من “الحزب” سابقاً ولم يوافق. والمراعاة لن تصبح “سيرة وانفتحت”، فعون يعرف الحدود والمصالح ويُقدِّر الدعم الكبير الذي قدّمه له ولا يزال يقدِّمه حليفه الشيعي، ويعرف أنّه لن يُضحّي بحلفائه وبنفسه من أجل تلبية الطلبات غير المعقولة لصهره باسيل. طبعاً خرج بعض أوساط “حزب الله” عن طورهم فترة بسيطة، وهذا نادراً ما يحصل، وقال غاضباً في أكثر من مجلس خاص: “هلّق نحنا الشيعة صُرنا أقليّة؟ من الأقليّة نحن أم المسيحيّون؟ ألا يعرف باسيل انّنا كُلّنا أقليّات في هذه البلاد”. طبعاً مرشّح “الحزب” في جبيل زعيتر سيستمر، يؤكّد المُتابعون أنفسهم حركته وتحرّكه الانتخابيّين والسياسيّين، لكن القرار المُهمّ الذي سيتّخذه (“الحزب”) في حال عدم فوزه في الانتخابات سيكون على الأرجح انهاء “تفاهم مار مخايل” الذي وقّعه الأمين العام السيد حسن نصرالله والعماد ميشال عون في شباط عام 2006. ذلك أن التيّار برئاسة باسيل سيكون السبب الأساسي للخسارة، وتداعيات ذلك معروفة. وهذا احتمال لا يمكن إسقاطه من الحساب، وخصوصاً في ظل تعذُّر تأليف لائحة في دائرة كسروان – جبيل يكون جزءاً منها. ويُظهر ذلك معاناة “الحزب” مع حلفاء آخرين له غير “التيّار الوطني الحر”. إذ لم تنجح المحادثات التي يُجريها معهم حتّى الآن في إقناع الأقوياء من بينهم بمراعاة “القضيّة الجبيليّة”. وحتّى لو دخل زعيتر إلى جبيل نائباً عن “حزب الله”، يلفت المُتابعون أنفسهم، فإن موقفه من باسيل وطموحاته الكبرى جدّاً، التي يعمل المستحيل لتحقيقها في الداخل والخارج المُعادي لـ”الحزب” وراعيه الإقليمي، صار سلبيّاً جدّاً. فأوساطه لا تجهر برفض وصول “الوريث السياسي” لعون إلى رئاسة الجمهوريّة بسبب حكمة قيادته، لكنّها تقول أنها “تستصعب” وصوله. أمّا حلفاؤه والمُتعاطفون معه عملانيّاً وسياسيّاً فيجزمون أنّ حلم باسيل برئاسة الجمهوريّة قد انتهى عند “حزب الله”.
وما يثير السخرية هو معاناة الأخير مع حلفائه، ويكشف هؤلاء المُتابعون جزءاً من مفاوضاته معهم ومعاناته منهم رغم عدم بلوغها حجم معاناته مع باسيل. فهو لم يستطع إقناع الرئيس نجيب ميقاتي الذي يعتبره حليفه بالتعاون في دائرة طرابلس الضنيّة – المنية مع حليفه الآخر الوزير السابق فيصل كرامي وارث العائلة العريقة، وبالتعاون مع حليفه أيضاً النائب السابق جهاد الصمد في الدائرة نفسها. كما أنّه لم ينجح حتّى الآن في ترتيب ترشيح من يراه العلويّون، وغالبيّتهم الساحقة معه ومع سوريا الأسد، مُناسباً لتمثيلهم مع حلفائه في دائرتي طرابلس… وعكار. والمُثير للسخرية أكثر أن اقتراحات “الحزب” ضم بعض المرشّحين إلى لوائح حلفائه أو انسحاب بعض المرشّحين الحلفاء لمصلحة مُرشّحين حلفاء آخرين كانت تُقابل بالموقف الجدّي الآتي: “قدّموا وعداً لمن تقترحون انسحابه بتوزيره في حكومة ما بعد الانتخابات”. وعندها كان “الحزبيّون” المفاوضون يسألون: “عال ولكن من حصّة من سيكون الموزّرون؟”. كانوا يتلقّون الجواب الآتي: “من الحصّة الوزاريّة للشيعة”. والمُضحك هنا أن هذا الجواب يجعل التمثيل الشيعي في الحكومة معدوماً أو قليلاً جدّاً. ويكشف ذلك لا جديّة الحلفاء ولا التحالفات.
إلى ذلك كُلِّه يُتابع “الحزب” ترشيح الرئيس حسين الحسيني في دائرة بعلبك – الهرمل، استناداً إلى المُتابعين أنفسهم. فهو يعتبره مثل اللبنانيّين عرّاباً لاتّفاق الطائف، ويرى أنه اتّخذ مواقف عدّة منذ خسارته رئاسة مجلس النوّاب أظهرته “مرجعيّة” في نظر كثيرين. وكان أفضل له أن يبقى كذلك. ويعني ذلك في رأي قياداته أن هناك عملاً داخليّاً – خارجيّاً لخرق لائحة “حزب الله” وفي بعلبك – الهرمل، وبذلك تتم إصابة هدفين بحجر واحد. الأوّل إسقاط مرشّح “حزبي” لإثبات أن جمهور “الحزب” بدأ يراجع التزامه به جرّاء حربه السوريّة وخسائرها البشريّة. والثاني إسقاط شيعي حليف لـ”الحزب” ولسوريا هو اللواء جميل السيّد والعمل لإخراج نبيه برّي من رئاسة مجلس النواب بوضع “النائب” السيّد في مواجهته بعد استغلال خلافاتهما السابقة. وفي هذا المجال يرى “الحزب” معالم خطّة تستعمل “الشراكة” المتنوّعة بين نادر الحريري (مدير مكتب رئيس الحكومة وعقله) وجبران باسيل لتحقيق مكاسب داخليّة متنوّعة ومكسب إقليمي يتمثّل بعودة الرعاية السعوديّة للحريري بعد نجاحه في تشليح “حزب الله” التيّار الوطني الحر”.
ملاحظة: ابتداء من غد يغيب سركيس نعوم و”الموقف هذا النهار” في رحلة عمل تستمر بضعة أسابيع.