تتزايد التحذيرات من حدوث صدام كبير بين القوى الكبرى المتصارعة على الأراضي السورية، خاصة مع اقتراب نقاط التماس فيما بينها، وانعدام وجود عدو مشترك (داعش سابقا) يمكن أن يخفف من اندفاعة تلك الأطراف.
ويقول خبراء إن دمشق وحليفتيها موسكو وطهران، لا يبدو أنها بصدد الإصغاء للتحذيرات الأميركية المتواترة بشأن إمكانية إقدام واشنطن على توجيه ضربات عسكرية، في حال لم يتم وقف العملية التي تشن منذ 18 فبراير الماضي، على منطقة الغوطة الشرقية التي نجح النظام إلى حد الآن في السيطرة على أكثر من نصفها فيما باقي المنطقة بات مقسما إلى 3 أجزاء تنتظر “مصيرا مشؤوما”.
الوجهة التالية بعد الغوطة الشرقية هي أكثر ما يقلق الإدارة الأميركية، وهذا ما يدفعها إلى التصعيد ضد النظام السوري وحليفته روسيا، غير مستبعدة الخيار العسكري المباشر لإعادة التوازن للمشهد الذي يميل بشكل شبه كلي لفائدة دمشق
ويشير الخبراء إلى أن الغوطة الشرقية التي تعد إحدى أبرز قلاع المعارضة السورية هي بحكم “الساقطة” عسكريا، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هي الوجهة التالية؟ هل هي إدلب في شمال غرب سوريا؟ أم منطقة الجنوب وحتى البادية حيث توجد قاعدة التنف العسكرية الأميركية؟ وهذا ما يثير استنفار الولايات المتحدة.
وحذر الأربعاء يان إيجلاند مستشار الأمم المتحدة بشأن سوريا من أن الحرب قد تشهد “معارك طاحنة” في عامها الثامن حتى وإن بدا القتال في الغوطة الشرقية الحلقة الأحدث في سلسلة “معارك النهاية”.
وقال إيجلاند، الذي يرأس المجلس النرويجي للاجئين، إن الوقت لم يفت لتجنب إراقة الدماء في إدلب ودرعا عبر المفاوضات.
وكان النظام السوري قد شن في اليومين الماضيين ضربات جوية على مواقع للمعارضة السورية في درعا جنوب غرب البلاد، فيما اعتبر ردا على تحضيرات الفصائل المقاتلة لشن عملية عسكرية ضد المناطق التي يسيطر عليها في تلك الجهة لتخفيف الضغط على مقاتلي الغوطة الشرقية.
وأكدت مصادر مطلعة أن الفصائل بدأت بالفعل تتحضر لشن عملية لتشتيت جهود النظام، وأن الأمر يتم بدعم من الولايات المتحدة التي أرسلت 200 عنصر إضافي إلى منطقة التنف حيث توجد هناك العشرات من قوات المارينز.
تحركات المعارضة في الجنوب، قابلتها تصريحات من المسؤولين الروس تتحدث عن معطيات بشأن توجه الإدارة الأميركية للقيام بتحرك ما في سوريا.
ولطالما صبغ التردد تحركات الإدارة الأميركية بيد أنه في حال نجح النظام في السيطرة على الغوطة الشرقية فإنه بالتأكيد سيفكر في فتح جبهة جديدة ومن المرجح أن تكون هذه الجبهة منطقة الجنوب، وهذا سيعني فقدان واشنطن نهائيا زمام الأمور في سوريا وسيكون عليها الإقرار عندها بانتصار موسكو وأيضا “العدوة” طهران.
وتعتبر الولايات المتحدة أن هذا أسوأ سيناريو يمكن أن تتعرض له، وتجد اليوم نفسها لا تملك رفاهية الخيار وهي ملزمة بتحرك حازم كتوجيه ضربات مباشرة أو تحريك الجبهات التي لا تزال فيها المعارضة مرابطة، وتمكينها من أسلحة نوعية لاستعادة التوازن.
ويرى مراقبون أن التغييرات التي طرأت على الإدارة الأميركية في الفترة الأخيرة والتي أفرزت هيمنة “الصقور” على البيت الأبيض، من شأنها أن تعزز فرضية شن ضربات مع تمكين الفصائل من أسلحة نوعية لقلب مسار الأمور.
يان إيجلاند: الوقت لم يفت لتجنب إراقة الدماء في إدلب ودرعا عبر المفاوضات
وكانت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هايلي قد حذرت من أن بلادها مستعدة للتدخل في سوريا “إذا اضطرننا إلى ذلك”، من أجل التصدي لاستخدام الأسلحة الكيميائية و”المعاناة غير الإنسانية” في الغوطة الشرقية.
جاء ذلك خلال جلسة لمجلس الأمن طرحت فيها واشنطن مشروع قرار جديدا لوقف القتال في الغوطة لمدة 30 يوما وإيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان المحاصرين، بعد فشل قرار أممي سابق.
وقالت هايلي الاثنين “عندما تفشل الأسرة الدولية باستمرار في التدخل، تضطر بعض الدول إلى التحرك بمفردها”، مضيفة “نحذر أيضا من أن أي دولة مصممة على فرض إرادتها عبر الهجمات بالأسلحة الكيميائية والمعاناة غير الإنسانية وخصوصا النظام السوري المارق فإن الولايات المتحدة تظل مستعدة للتدخل إذا اضطرت إلى ذلك”.
إنذار هايلي هو تكرار للتهديد الذي وجهته أمام مجلس الأمن في أبريل 2017 قبل أن يصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأمر بقصف قاعدة جوية سورية بالصواريخ بعد هجوم بغاز السارين في بلدة خان شيخون الخاضعة لسيطرة فصائل معارضة في ريف إدلب. ويتحدث دبلوماسيون في الأمم المتحدة علنا عن “مشهد مألوف” وعن أن الولايات المتحدة تعطي إشارات واضحة تفيد بأنها تدرس عملا عسكريا في سوريا.
وهذه الإنذارات تزيد الضغوط على روسيا. ويقول دبلوماسي رفض الكشف عن هويته في مجلس الأمن إن “الروس يخشون أن يتدخل الأميركيون مجددا في سوريا بشكل أقوى”.
وأشار دبلوماسي آخر في المجلس إلى أن الذكرى السنوية لهجوم شيخون المصادف للرابع من أبريل، يمكن أن يكون موعدا مؤاتيا لضربة أميركية.
ويقول خبير الشؤون السورية لدى معهد الأمن الأميركي الجديد في واشنطن نيكولاس هيراس إن “الإدارة الأميركية تلجأ إلى سياسة التشهير والإحراج إزاء روسيا في مجلس الأمن”.
وتابع هيراس “إنها مقدمة لنقاش أكبر مع روسيا حول ما سيحصل في مناطق أخرى من البلاد”، خصوصا في الجنوب الغربي حيث اتفقت الولايات المتحدة والأردن وروسيا على إقامة منطقة لخفض التوتر العام الماضي، وبات هذا الاتفاق مهددا بعد ضربات النظام الأخيرة.
ومضى يقول “ما يقوم به ترامب الآن هو تحديد موقف أولي كأن يقول: ما تقومون به في الغوطة لا تفعلوه في أي مكان آخر. إذا حاولتم ذلك فستكون هناك عواقب”.
واستدعى تحذير هايلي رد فعل قويا من موسكو الثلاثاء؛ فقد نبه وزير الخارجية سيرجي لافروف إلى أنه “إذا تم شن هذا النوع من الضربات فإن العواقب ستكون وخيمة جدا”. كما حذر رئيس الأركان الروسي الجنرال فاليري يراسيموف من “إجراءات للرد” في حال إصابة أي من الجنود الروس في ضربة أميركية.
وتنشر روسيا قوات تؤمن دعما للجيش السوري في عمليته في الغوطة الشرقية.