تشهد منطقة بعلبك الهرمل منذ ما يقارب العقد ونيف فلتانا أمنيا مشبوها أرخى بظلاله المأساوية على المواطن في هذه المنطقة التي تعاني أساسا من عوامل الفقر والحرمان والجوع وخاصة في المدن وعلى وجه أخص المدينة التي تحمل اسم الشمس بعلبك والتي تصنف كمدينة سياحية من الدرجة الأولى لامتلاكها قلعة أثرية تعتبر احدى عجائب الدنيا السبع.
ومن المعلوم أن مدينة الشمس خاضعة لحالة طوارىء واعتبرت منطقة عسكرية منذ حادثة حوزة عين بورضاي في العام 1997 حيث قامت وحدات من الجيش اللبناني بمهاجمة الحوزة لتحريرها من الشيخ صبحي الطفيلي وجماعته الذي قاد ما أطلق عليه يومها بثورة الجياع والذي كان يتواجد بداخل الحوزة مع عدد من مناصريه الذين التحقوا بركاب الثورة حيث كانوا يعقدون لقاءا للبحث في هموم المنطقة ومشاكلها.
وبذريعة ان الحوزة هي أملاك خاصة من أملاك حزب الله ويحظر إستخدامها او التواجد فيها من قبل أي طرف خارج الأطر التنظيمية للحزب. فكان لا بد من إخراج الشيخ الطفيلي وجماعته منها ولو بالقوة العسكرية فتولى الجيش المهمة وأدى ذلك إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى من الطرفين. جماعة الشيخ والجيش الذي ألقى القبض على عدد من الذين كانوا متواجدين داخل الحوزة وتمت محاكمتهم وزجهم في السجون بتهمة التأسيس لعصابة ضد الدولة ومن يومها أعلنت بعلبك منطقة عسكرية خاضعة لحالة طوارىء.
إقرا أيضا: العلاقة المشبوهة بين الإنتخابات والمقاومة!
وإذا كانت المنطقة تنعم لفترات متقطعة من الهدوء والاستقرار الأمني إلا أنه في الواقع هو هدوء نسبي واستقرار مشوب بالحذر والقلق إذ سرعان ما ينفجر الوضع الأمني وفجأة يلعلع الرصاص من الأسلحة الرشاشة ويسمع دوي القذائف الصاروخية على خلفية خلاف بين شخصين لأسباب تكون في غالب الأحيان اكثر من تافهة ولا تستوجب هذا الكم الهائل من الذخيرة التي تتساقط على رؤوس الناس الآمنة ، حيث تحصد العديد من الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل بالحادث ولا حتى يعلمون أسبابه وأطراف النزاع فيه فيسقطون بين قتيل وجريح عدا الخسائر في الممتلكات والآليات والمباني المجاورة وما يترتب على ذلك من حالات هلع وخوف ومن تداعيات سلبية على الوضع التجاري وما يسببه من تردي للوضع الاقتصادي يدوم لأيام وربما لأسابيع حيث تصاب المصانع والمؤسسات وكافة المتاجر بمنسوب كبير من الشلل والجمود في حركة السوق. فضلا عن ضرب المواسم السياحية في المدينة .
ولا يقتصر النزاع على الأشخاص المعنيين به بل يتوسع ويتمدد ليأخذ ابعادا عائلية وعشائرية وأحيانا تتخطى الأمور حدودها لتطرق أبواب الحظائر المذهبية والطائفية التي تشتعل في النفوس كالجمر تحت الرماد الذي لا ينقصه سوى النفخ فيه من قبل بعض الأطراف الحزبية والسياسية التي تقتات من أعشاب الشحن وشد العصب وإثارة النعرات وبث روح التفرقة بين أبناء المدينة الواحدة.
والمريب في الأمر أن مثل هذه الأحداث والمشاكل تحدث في المنطقة المصنفة منطقة عسكرية، حيث تبدو الأجهزة الأمنية والعسكرية وكأنها عاجزة عن ضبط الوضع بذريعة أنها تحتاج إلى غطاء سياسي من الحكومة ومن المؤسسات المولجة بحفظ الأمن ، وهذا يستدعي جملة من التساؤلات.
إقرا أيضا: الحرب الإعلامية لحزب الله ضد منافسيه في الإنتخابات النيابية
لمصلحة من هذا الفلتان الأمني في هذه اللحظة المفصلية والبلد على أبواب إستحقاق انتخابي مقرر في السادس من أيار القادم ؟
من الذي يحجب القرار السياسي عن الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية كي تقوم بواجبها بملاحقة المرتكبين والمتسببين والخارجين على القانون؟
من الذي يمنع الاستثمارات عن هذه المنطقة التي تحد من نسبة البطالة والجمود الاقتصادي والتي تتراجع معهما مستويات الجريمة وتجارة الممنوعات؟
قد يكون الجواب محرجا ومربكا لكن المؤكد أن إبراز صورة عجز القوى العسكرية الشرعية عن ضبط الوضع الأمني ، والإصرار على الترويج لمقولة ضعف الدولة والعمل على إنهاكها وإستهلاكها بالأمور الجانبية ، كلها عوامل تصب في مصلحة دويلة حزب الله .