تعيش مناطق جنوب العراق حالة من الاحتقان والغضب الشعبيين اللذين بدآ يتحولان إلى حراك احتجاجي لا يكاد ينقطع في ظلّ تردّي الأوضاع المعيشية وتراجع الخدمات وظهور تعقيدات أمنية ذات صلة بفوضى السلاح والجريمة بنوعيها الفردي والمنظّم، بما في ذلك عمليات التهريب عبر الحدود مع إيران وتجارة المخدّرات التي انتشرت بشكل غير مسبوق.
وخلال السنوات الماضية التي شهد فيها العراق حربا ضروسا ضدّ تنظيم داعش، ظلّت أغلب مناطق جنوب العراق، بعيدة عن أتُون الحرب التي ألحقت أضرارا بالغة بمناطق شمال وغرب البلاد، غير أنّ سكّان المحافظات الجنوبية، وبينها محافظة البصرة الغنية بالنّفط لم يسلموا من تأثيرات الأوضاع العراقية الصعبة حيث تفشّى الفقر وارتفعت نسبة البطالة وقفزت نسبة الجريمة.
وتعتبر مناطق جنوب العراق الحاضنة الشعبية الأساسية للأحزاب الشيعية الممسكة بمقاليد الحكم والقائدة للعملية السياسية، ما يجعل الكثير من الاحتجاجات الشعبية تنصبّ مباشرة على تجربة الحكم تلك وعلى القائمين عليها من كبار السياسيين الشيعة، الأمر يشرّع للمهتمين بالشأن العراق، الحديث عن أزمة ثقة غير مسبوقة بين الأحزاب الشيعية العراقية وقواعدها الشعبية.
وتجلّت نقمة جماهير جنوب العراق على قادة الأحزاب الحاكمة في أكثر من مناسبة، حين تعرّضت تلك الجماهير بشكل مباشر لهؤلاء القادة خلال زيارات وتجمّعات حاولوا تنظيمها في كبريات مُدن الجنوب، وآخر هؤلاء عمّار الحكيم زعيم تيار الحكمة المنشقّ عن المجلس الأعلى الإسلامي الذي فاجأه شاعر شعبي بقصيدة معبّرة عن فساد الطبقة الحاكمة، خلال لقاء للحكيم بوجهاء وشيوخ عشائر في كربلاء، ما سبّب له إحراجا بالغا ودفعه إلى إنهاء اللقاء على عجل والانسحاب.
وتعكس كثير من الاحتجاجات الشعبية تردّي الأوضاع المعيشية بجنوب العراق وعجز الدولة عن تلبية حاجات أساسية للسكان وصولا إلى الرواتب والمعاشات.
وفرّقت قوات الأمن العراقية، الاثنين، بالقوة تظاهرة نظّمها عمّال دائرة بلدية الزبير في محافظة البصرة جنوبي البلاد، احتجاجا على عدم دفع رواتبهم المتأخرة لشهرين متتاليين.
واحتشد العاملون في مجال النظافة أمام مبنى بلدية الزبير، وأحرقوا أكداسا من النفايات، فيما رشق آخرون المبنى بالحجارة وحاولوا اقتحامه.
وقال الملازم محمد خلف من قيادة عمليات البصرة إنّ “قوات الأمن منعت باستخدام الهراوات، العاملين بأجور يومية في مجال رفع النفايات من اقتحام مبنى بلدية الزبير شمالي البصرة، واعتقلت عددا منهم”.
أوضاع سيئة في الجنوب
◄ تزايد نسبة الفقر وتفشي البطالة
◄ سوء الخدمات الأساسية وانعدامها أحيانا
◄ هشاشة الأمن بسبب فوضى السلاح
◄ تزايد الجريمة الفردية والمنظمة
◄ تفاقم التهريب وتجارة المخدرات
◄معضلة ندرة المياه
وأوضح لوكالة الأناضول أنّ القوات الأمنية ملزمة بتطبيق القانون وحماية المؤسسات الحكومية، حتى وإن كان المتظاهرون يطالبون بحقوقهم القانونية كالرواتب، مشيرا إلى أنّ دوريات من الشرطة انتشرت حول مبنى البلدية تحسبا لأي طارئ.
وتعاني محافظة البصرة الغنية بالنفط أزمة كبيرة في ملف رفع النفايات، بسبب عدم توفر الأموال اللازمة لدفعها كرواتب للعاملين بأجور يومية.
وفي قضاء الزبير ذاته خرجت الإثنين مظاهرات ثانية لشبان يطالبون بتوفير فرص عمل لهم في القطاع النفطي.
والقضاء المذكور من أكبر أقضية العراق حيث تمتدّ مساحته على نحو نصف المساحة الإجمالية لمحافظة البصرة، ويعيش فيه نحو مليون نسمة، ويضم منشآت ومرافق صناعية ونفطية هامّة منها حقل الزبير النفطي ومصنع الحديد والصلب ومصنع البتروكيمياويات ومصفاة الشعيبة.
ولجأ العشرات من الناشطين في محافظة البصرة السبت الماضي إلى جمع أكوام من النفايات، ووضعها أمام مبنى مجلس محافظة البصرة وسط المدينة، كنوع من الاحتجاج على تكدّس النفايات في المناطق السكنية والأسواق.
وتعتبر البصرة مثالا واضحا على المفارقة التي يواجهها العراق، وتتمثّل في وفرة الثروة وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في نفس الوقت، الأمر الذي يؤكّد وجود سوء تصرّف كبير وعجز عن إدارة الموارد وتوظيفها، وهي مسألة مرتبطة بشكل وثيق بظاهرة الفساد المنتشر على نطاق واسع والمتغلغل في جميع مفاصل الدولة.
وخلال السنوات القليلة الماضية بدأت محافظات جنوب العـراق تشهـد ظهـور معضلة كبيرة تتمثل في التنـاقص السريع للمياه، الأمر الـذي أثر بشكل مباشر على الحيـاة الاقتصادية حيـث بدأت أنشطـة فلاحية وصناعية صغرى تضمحل وتتلاشى مسببة تناقصا في موارد الرزق ومواطن الشغل.
وبدأ الشارع يردّد أصداء هذه المعضلة حيث تظاهر، الإثنين، أهالي قضاء سيد دخيل في محافظة ذي قار احتجاجا على ما يعتبرونه تراخيا حكوميا في معالجة آثار جفاف شط آل إبراهيم، مهدّدين باقتحام مجلس المحافظة إذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم.
ورغم ارتباط الكثير من الاحتجاجات التي يشهدها جنوب العراق بمطالب خدمية، إلاّ أنها لا تخلو من أبعاد سياسية إذ كثيرا ما تتحوّل المظاهرات إلى رفع شعارات مناهضة للأحزاب الحاكمة في البلاد ولرموزها متهمّة إياهم بالفساد.
وتحمل الأحزاب الشيعية ذات القاعدة الشعبية الواسعة في مناطق جنوب العراق التظاهرات على محمل الجدّ مخافة أنّ يترجم غضب الشارع إلى تصويت عقابي ضدّ تلك الأحزاب في الانتخابات النيابية المقرّرة لشهر مايو القادم.