إذا صحّ أنّ دونالد ترامب وكيم جونغ أون سوف يلتقيان ويحلاّن المشكلة الكوريّة، فهذا يضعنا أمام مأزق. من ناحية، لا يمكن إلاّ الترحيب بتذليل خطر محتمل كبير، خطرٍ لا يُستبعَد استخدام السلاح النوويّ فيه. من ناحية أخرى، سوف يُسجّل لشخصين، هما بذاتهما مشكلتان، أنّهما من يستطيعان حلّ المشكلات.
فحين يقال ترامب وكيم، فإنّما يوصف مزيج من التفاهة والنرجسيّة والجهل وتشوّهات أخرى كثيرة. مع هذا، قد ينجح هذا المزيج في ما لم ينجح فيه سواه. ومن يدري، فقد نجد أنفسنا حيال صداقة وحبّ غير مسبوقين بين زعيمين مصابين بطفولة منتفخة وخالدة!
فترامب، وبعد تبادل الشتائم الشخصيّة المقذعة مع كيم، أبدى حماسته لقمّة مع الزعيم الكوريّ الشماليّ تنعقد في أيّار (مايو) المقبل، ورجّح أن تشكّل «نجاحاً هائلاً»، وتفضي إلى «أعظم اتّفاق في العالم»، لأنّ كوريا الشماليّة «تريد أن تصنع السلام».
يسوقنا هذا إلى تاريخ قديم كانت فيه أمزجة الحكّام ومصاهراتهم العائليّة تصنع تحوّلات كبرى في التاريخ. وهو ما ظُنّ أنّ الزمن وحمولته في الاجتماع والأفكار قد طواه. لكنْ لا. فالزعيم المطلق الزعامة، وصولاً إلى مركزيّة مزاجه وأحياناً أخبار عائلته، هو الظاهرة الصاعدة اليوم. ولئن باتت منطقتنا في الشرق الأوسط، وعموم آسيا شرقاً وغرباً، تقدّم الكثير من النماذج، فإنّ الصين شكّلت مؤخّراً المسرح الأكبر للحدث الكبير: ذاك أنّ برلمانها أجاز بقاء شي جينبينغ رئيساً لمدى الحياة. التعديل الدستوريّ هذا حظي بتأييد 2958 نائباً، في مقابل معارضة نائبين وامتناع ثلاثة عن التصويت! جينبينغ لم يعد رئيساً مقيّداً بالدستور. صار زعيماً فوق الدساتير.
لقد انتهى نظام حكم الحزب الواحد – الذي احتفظت به إصلاحات دينغ هشياو بنغ من الميراث الماويّ – إلى استكمال نفسه بالزعيم الواحد.
روسيّا، التي لم تعثر على مخرج ديمقراطيّ من عهدها الشيوعيّ، ستعاود، بعد أيّام، وعبر الانتخاب، تنصيب فلاديمير بوتين لولاية رئاسيّة أخرى. تلقيبه بـ «القيصر» ليس مبالغة.
ترامب – الذي لم يُخف استحسانه بما حصل في الصين – ليس السياسيّ الديموقراطيّ الوحيد الذي يستولي عليه الحنين الزعاميّ والتمركز الشخصيّ. الانتخابات الأخيرة في إيطاليا لم تأت بزعيم، لكنّها أعطت الأكثريّة لأصحاب مشاريع زعاميّة. شيء مماثل سبق أن حصل في النمسا، وكاد يحصل في فرنسا.
ما يبدو أيضاً على شيء من الغرابة أنّ صعود هذا النمط لا يستجرّ الحروب التي يفترضها. صحيح أنّ ترامب وعد بـ «حرب تجاريّة»، وأنّ قدراً بعيداً من التوتّر يخيّم على مناطق عدّة في العالم. لكنّ الصحيح أيضاً أنّ زيادة الإنفاق على التسلّح، أقلّه في حالة الصين، تترافق مع تحسّن العلاقات التجاريّة بجيرانها الآسيويّين الخائفين منها ومن نيّتها ابتلاع بحر الصين الجنوبيّ كلّه. فإذا أضفنا أنّ ترامب وكيم قد يذلّلان المشكلة الكوريّة، بتنا أمام تعقيد لا يُستهان به يقيم خلف البساطة البلهاء لهذا النمط الصاعد.