تلقى اللبنانيون، بكل أسف، كما عند كل إستحقاق مفصلي، أخبارا منظمة وممنهجة على شكل حملات، توحي ومن دون توثيق أو براهين، بأن الدولار سيرتفع مقابل سعر صرف الليرة ليتجاوز سقف الـ3 آلاف ليرة لكل دولار.
خبر تداوله نشطاء على مواقع التواصل الإجتماعي، وهو يعود إلى عبارة وردت في مقال يعرض سيناريوهات روتينية لخيارات تستهدف تفادي الإنهيار الإقتصادي على وقع "الدرس التجميلي" لمشروع موازنة 2018. لكن، مع تبرّع بعض الزملاء ومن دون وجه حق، تغيّر عنوان المقال ومن دون "رفة جفن"، من "الدولة لن تنجو... كل الخيارات موجعة" إلى "الدولار بـ3 آلاف ليرة".
فَعَلَ التغيير المفتعل فعله في "تسميم" نفوس القلقين وفاقدي الثقة بأداء السلطة، رغم أن كاتب المقال أصرّ على التذكير أكثر من مرة بلجوئه إلى "الإفتراض" في رحلة البحث عن إقتراحات مفيدة، طويلة وقصيرة الأمد، لحل الوضع المالي الذي بات معقدا وخطيرا، ولم يغفل عرض المفاعيل السلبية والمباشرة على القدرة الشرائية للمواطن بفعل التضخم التلقائي.
في الفعلة "الشنيعة" أكثر من جرم كان يفترض إعتباره "إخبارا" يستحق إستدعاء "محوّري" عنوان المقال-الشائعة ومطلقيها إلى النيابة العامة المالية، نظرا إلى حجم الآثار التي خلفتها بلبلة "لم تكن ناقصة أحد". لكن، في ظل السياسات الإنتقائية، ساد الصمت مقابل الغليان السائل عن أجوبة شافية تطمئن المواطن إلى هموم منسية منذ نحو ثلاثة عقود، ولم يبق منها سوى صور سوداء يوم إنحدرت فيها الليرة ومعها إدخارات أصحاب الطبقة المتوسطة، ولم تفلح بعد كل المحاولات في إعادتهما إلى ما كانتا عليه.
دوما، يغفل أصحاب الحملات الشنيعة على "ليرة المواطن" أن معركة رئاسة الجمهورية طويت لسنوات أربع مقبلة، والموسم القريب هو لإنتخابات مجلس النواب ولحكومة ما بعد الإستحقاق النيابي، بما يلغي مبررات إقلاق اللبنانيين، حتى ولو إعتُبرت الليرة سلاحا فاعلا في الحرب الدائرة للضغط على الناخبين وإستمالة أصواتهم يوم الإقتراع في 6 أيار/مايو المقبل.
بالأمس، إستضاف بيت الإقتصاد اللبناني (غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان) وعلى غير عادة في يوم العطلة، لقاء طارئا ما بين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والهيئات الإقتصادية، في ردّ دفاعي مباشر على الحملات المتحاملة على قوت المواطن ولقمة عيشه. فالإجتماع كما أُعلن، خُصّص للتشاور ما بين الشركاء في الخطوات الكفيلة بتحسين مناخ الأعمال وإعطاء صورة واقعية غير مشوّهة عن الواقع الإقتصادي والنقدي والمالي.
هدفان حددهما سلامة في خطابه التطميني: زيادة النمو وتوفير فرص عمل. هما علة الإقتصاد في زمن الضائقة. فكيف تُضاف إليهما سلة هواجس تقضّ المضاجع والبلاد في زمن إنتخابي ثقيل؟ في السياسة، تُباح الحملات والتحاملات والهجمات لشدّ العصب وحشد المؤيدين. وعناوين الأسلحة عادة ما تبدأ بالإستقلال والسيادة، ولا تنتهي عند التواجد عند الحدود وما بعدها. لكن ليس مسموحا في الإقتصاد "اللعب بالنار"، لأن حروق فقدان الثقة تطول الجميع سواسية، وغالبا ما تكون المفاعيل مدمّرة يصعب الخروج منها أو ترميمها في مواقيت زمنية قصيرة.
الليرة ثابتة ومستقرة وستبقى كذلك لأن لدى مصرف لبنان الإمكانات للمحافظة على هذا الإستقرار. هكذا دأب الحاكم سلامة على ضبط التفلتات المتعمدة والبريئة. نادرا ما يكشف عما يختزنه مصرف لبنان من إحتياطات بالعملات والذهب، لكنه أعلن بالأمس وبالفم الملآن، أن ثمة 67 مليار دولار مسخّرة في خدمة الدفاع عن الليرة، وهو إحتياطي غير مسبوق في تاريخ لبنان. فموجودات المصرف المركزي بلغت نحو 43.2 مليار دولار، وإحتياطات الذهب تفوق الـ11.5 مليار دولار، يضاف إليهما المبالغ الموجودة للمصارف اللبنانية لدى المصارف المراسلة والبالغة نحو 12 مليار دولار.
هل من داع للمخاوف؟
كان يفضّل العارفون بالشؤون التقنية، أن تكون المالية العامة خاضعة لجراحة تصحيحية تعيد إليها بعضا مما فقدته من إعتبار، وتنسحب على خدمة الدين العام "المكلف" كما على حجم الدين المفتوحة شهيته على نسبة الـ180% في العام المقبل، إن بقيت وتيرة نمو المديونية على تسارعها القاتل.
الإصلاحات المالية ليست خيارا بل واجب دستوري وحق للمواطن. على مدى أسبوع، حاولت الحكومة إضفاء لمسات تجميلية لخفض الـ20% الذي بدا عشوائيا، كونه لم يميّز بين خدمة عامة وبين خدمات خاصة. قال وزير المال "نحن أمام خفوض للعجز وإجراءات إصلاحية"، معلنا إختتام إجتماعات اللجنة الوزارية المكلفة بهذه المهمة. لم يشأ تحديد أرقام الموازنة نهائيا إلا بعد الإنتهاء منها في مجلس الوزراء. وكأن مشروع موازنة 2018 بات من أسرار الدولة، ويخشى أن يلقى مصير سلسلة الرتب والرواتب التي توّسع حجمها من 800 مليون دولار إلى 1.2 مليار دولار... وأخيرا إلى 1.9 مليار دولار!
اليوم، تتكشف بعض الأسرار المالية في المؤتمر الصحافي لرئيس الحكومة ووزير المال بعد جلسة طارئة للحكومة لإقرار موازنة 2018... لكن أيضا، مؤتمر "سادر" الباريسي لناظره قريب!
(فيوليت غزال البلعةـ AEN)