هي صورة ستُظهر القوى السياسية نفسها في مجلس النواب الجديد، إنما بتوزيعة مختلفة حتماً، عن الصورة المجلسية الحالية، التي اعتاد عليها البلد منذ العام 2005 وحتى اليوم.
هي صورة، ستطوي كل ما قبلها، وهي أشبه بالانقلاب الذي يُسقط أكثرية اللون الواحد، أو الحلف الواحد، ليُحِلّ بدلاً منها خريطة تمثيلية جديدة، بنسب متفاوتة بين هذا الطرف السياسي أو ذاك، وهو ما جعل قوى سياسية كبرى وصغرى على حدٍّ سواء، تترحّم على قانون الستين، وعلى الزمن الاكثري السابق، وتتلو فعل الندامة على سيرها بقانونٍ إنتخابي أفقد البعض منها تمثيلها نهائياً، وقلّص تمثيل البعض ايضاً، الى الحدّ الأدنى، لا بل الى حدّ التمثيل الرمزي المحدود، وأنزل البعض الآخر من موقع الحاكم المتحكِّم الى موقع المحكوم، أو المتحكَّم به.
في الخلاصة، اعتباراً من 7 أيار 2018، سيلبس كل طرف ثوبه التمثيلي، بحسب حجمه الحقيقي وليس الاصطناعي الذي لطالما وفّرته له محادل وجرافات الزمن الانتخابي السابق.
وهذه حقيقة يدركها كل الاطراف، ولا تستطيع أن تحجبها أو تغيّرها أو تعدّل فيها، وبالتالي يمكن رسمُ ملامحها، أو ما قد ترسو عليه، تبعاً لواقع هذه القوى وأدائها التحضيري لانتخابات 6 أيار:
• الثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله) قد يكونان الأكثر ارتياحاً مع القانون الجديد، والأكثر اطمئناناً من استحالة حصول أيّ خرق في ساحتهما، من شأنه أن يُغيّر أو يؤثر على خريطة تثميلهما ونسب حضورهما في البرلمان. لا بل إنّ محافظتهما على حضورهما الوازن في المجلس النيابي قد تتدعّم بربح حلفاء لهم، حالت الصيغ السياسية والانتخابية السابقة والتي كانت سارية منذ العام 2005، دون تمكّنهم من اختراق جدران التحالفات التي كان يصوغها النظامُ الأكثري.
• وليد جنبلاط، انطلق من موقع «الوسطية» الذي اختطه لنفسه، لصياغة تحالفات في اتجاهات مختلفة، وخصوصاً مع حلفاء الامس في 14 آذار، وبتناغمٍ كلّي مع الرئيس نبيه بري. ومن دون الابتعاد عن «حزب الله» انتخابياً، أو الاشتباك معه. بحيث إنّ ترجمة هذه التحالفات في صناديق الاقتراع ستؤمّن له حضوراً أقرب الى ما كان عليه في زمن الانتخابات السابقة وبالتالي لن يكون جنبلاط متفاجِئاً إن عاد الى المجلس النيابي بكتلة بين 7 الى 9 نواب فهو نفسه سبق له أن أشار الى هذا الأمر قبل أشهر.
• تيار المستقبل، كيّف نفسه مع خسارة حتمية سيُمنى بها في الانتخابات تخفّض سقفَ مقاعده من 34 نائباً على ما كان عليه حاله في مجلسي 2005 و2009 الى العشرينات. والرئيس سعد الحريري نفسه صرّح خلال مرحلة إعداد القانون الانتخابي بأنّ القانون الجديد سيخسره 7 مقاعد على الاقل. هذا مع الاشارة الى أنّ الأداء التحضيري لتيار المستقبل للانتخابات المقبلة يعكس تحالفاً حكميّاً مع التيار الوطني الحر، وتحالفاً يبدو أنه سيكون موضعيّاً وعلى القطعة مع «القوات اللبنانية»، كما يعكس حرصاً على استمرار فتح الابواب مع الرئيس نبيه بري وعدم استفزازه في بعض الدوائر.
• القوات اللبنانية، سخّرت فور إقرار القانون، كلّ حواسها السياسية والانتخابية نحو تحقيق قفزة نوعية في حضورها النيابي، تصل فيها الى موقع الصدارة أو موقع متقدّم جداً في الشارع المسيحي. ومن هنا سبقت حلفاءَها الجدد والقدامى في حسم خياراتها وتحديد أهدافها واختيار المقاعد التي تعتبرها محسومة لها, وتبعاً لذلك تبدو القوات مضطمئّة الى ازدياد حجم تمثيلها الى رقمٍ نوعيٍّ مسيحياً.
• سليمان فرنجية، رهان جدّي على فوزٍ نوعي لتيار المردة في دائرة الشمال المسيحية (بشري، زغرتا، الكورة والبترون) بتحالفات دقيقة الطابع ومتنوّعة في مواجهة التيار الوطني الحر، الذي يُقال في هذا الجانب إنّ تحالفاته لم تكتمل بعد وتشوبها تعقيدات وصعوبات.
• حزب الكتائب، يبدو الأكثر إرباكاً من كل القوى السياسية الاخرى، وثمّة صعوبات ماثلة في كل الدوائر التي تعنيه، ما يجعله مرشحاً لانخفاض حجم تمثيله من خمسة مقاعد في المجلس النيابي الحالي، الى ما دون ذلك بكثير.
• نجيب ميقاتي، الواضح أنه نجح في أن يتصدّر المشهد الطرابلسي، وتمكّن، بناءً على الاستطلاعات، من أن يحجز مسبقاً مقعدين سنّيَين على الاقل مع إمكانية كبرى لمقعد ثالث أرثوذكسي، ورابع يعبر منه الوزير السابق جان عبيد مجدداً الى مجلس النواب.
• التيار الوطني الحر، لعلّ أداءَه التحضيري للانتخابات هو الاكثر حساسية ودقة من سائر القوى السياسية والمسيحية، فشعار»التيار القومي» الذي يرفعه يريد ترجمته في صناديق الاقتراع بمقاعد تفوق بكثيرحجمه التمثيلي الحالي بما يبقيه المتصدّر مسيحياً، ويجعله ممرّاً إلزاميا لكل الاستحقاقات المقبلة، سواءٌ رئاسياً او على مستوى تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات.
ولكن كما يُقال، إنّ حسابات الحقل قد تكون مختلفة بكثير عن حسابات البيدر، ففي حسابات التيار انّ حجم تمثيله سيزيد الى ما فوق الـ25 نائباً، وحتى الـ30، لكن في حسابات الآخرين أنّ هذا التمثيل سينخفض بشكل كبير عمّا كان عليه، خصوصاً أنّ التيار برئاسة جبران باسيل يقف وسط حلبة تحالفات مستعصية حتى مع الحلفاء في العديد من الدوائر التي تعنيه، ويعوّل عليها.
وكذلك وسط حلبة سجالات واشتباكات بينه وبين قوى سياسية اخرى، وبلغت حدّاً عالياً من التوتر مع الجانب الشيعي يضاف اليه النفور الذي بدأ يظهر من قبل «حزب الله» حيال كيفية تعاطي التيار مع مرشحي الحزب في بعض الدوائر المشترَكة بينهما.
كل هذا المشهد هو الذي سيُترجم في 7 أيار، والذي سيشكّل البازل السياسي الذي سيحكم تلك الفترة، وبالتالي العبرة الجدّية والحقيقية هي في هذا البازل، الذي ليس معلوماً على أيّ أساس سيركب بعد الانتخابات، ووفق أيّ تحالفات، ووفق أيّ رغبة داخلية أو خارجية، ومَن سيلتقي مع مَن، ومَن سيفترق عمَّن، ومَن سيقاطع مَن، وأيّ حلف سيثبت وأيّ حلف سيفرط ويتفكّك.
إذاً، المشكلة الحقيقية ليست الآن رغم النيران التي تطلق ما بين بعض المتاريس السياسية، بل هي بعد الانتخابات. إلّا أنّ الثابت في تلك المرحلة، ثلاثة أمور:
• الاول، إنّ رئاسة المجلس النيابي معبرها الإلزامي الرئيس نبيه بري.
• الثاني، رئاسة حكومة ما بعد الانتخابات، معروفة وجهتها من الآن نحو الرئيس سعد الحريري.
• الثالث، صعوبة في توليد الحكومة. وهذا يشكّل نقطة تقاطع في مواقف كل القوى السياسية.
مرد الصعوبة، هو ما يبدو أنه قرار مسبَق بالاشتباك. ليس على حجم تمثيل الأطراف في الحكومة ونوعيّته، والذي ينبغي أن يتمّ وفق مساحة المقاعد التي سيحتلّها في البرلمان، بل حول وزارة المالية، العالقة منذ الآن بين منطق يدعو الى سحبها من اليد الشيعية وإسنادها الى طرف آخر على اعتبار أن لا نصّ في الطائف على شيعية المالية.
وهذا المنطق يتبنّاه التيار الوطني الحر تحت عنوان ضرورة المداورة، وسبق أن تمّ التعبير عن هذه المداورة خلال الأزمة بين «أمل» و»التيار» والتي مازالت مستمرة بالهجوم المتواصل للوزير باسيل على وزير المالية علي حسن خليل. وبين منطقٍ يؤكّد عدم التخلّي عن المالية مهما كلف الأمر، وهذا يتبنّاه الثنائي الشيعي، معهما كل الحلفاء ومن دون تردّد.
إن صحّ هذا التوجّه نحو الاشتباك، التي سيكون معطوفاً حتماً، على العلاقة السياسية المتوترة حالياً ما بين «التيار» و»أمل»، فمعنى ذلك أنّ البلد سيسقط في هاوية سياسية ودستورية، سيدخل معها في فترة جمود قاتل يتعذّر معه تشكيل حكومة، فيمَرّر الوقت بتصريف الأعمال من قبل الحكومة الحالية.. ولفترة طويلة تتجاوز كل فترات تصريف الأعمال السابقة التي قارب بعضها السنة. وهذا معناه أنّ البلد سيتعطّل، وكل ما علّقه العهد من آمال كبار على فترة ما بعد الانتخابات سيذهب هباءً.