لم يتوقف الجدل في شأن تعليمات رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي المتعلقة بترتيبات تكييف وضع عناصر «الحشد الشعبي» بما يضمن مساواتها بقوات الجيش العراقي، رغم مرور أيام على إصداره أمراً ديوانياً بذلك. وفيما كشفت مصادر مطلعة تلقي العبادي ضوءاً أخضرَ من المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، يتوقع مراقبون صداماً مؤجلاً في هذا الموضوع إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية.
وكان العبادي قال في مؤتمر صحافي أول من أمس، إن «الأمر الديواني الذي صدر في شأن الحشد الشعبي يأتي للحفاظ على هوية القوات الأمنية»، لافتاً إلى أن «إجراءات حصر السلاح بيد الدولة تأتي لحماية المواطنين وفرض سلطتها».
والأمر الديواني الذي أصدره العبادي الخميس يقضي بتكييف وضع عناصر «الحشد» مالياً وإدارياً، بما يشمل مساواتها بالجيش العراقي. ورغم أن الجانب المالي طغى على ردود الفعل المتعلقة بالقرار، إلا أن الجوانب الإدارية فيه ستكون كفيلة بإعادة ترتيب آليات اتخاذ القرار في «الحشد» وقياداته.
وتقول مصادر سياسية مطلعة إن العبادي اجتمع، قبل اتخاذ قرار تكييف أوضاع «الحشد»، مع ميثم السعدي، المسؤول عن «فرقة العباس القتالية» التابعة، مع لواء «علي الأكبر»، في شكل مباشر إلى السيستاني الذي منحه ضوءاً أخضر للاتفاق على إعادة ترتيب أوراق «الحشد»، علماً أن الفصيلين اللذين كان لهما دور أساسي في الحرب على تنظيم «داعش»، رفضا المشاركة في الانتخابات ضمن قائمة «الفتح» الانتخابية بزعامة هادي العامري، والتي ضمت الفصائل المقربة من إيران.
وتؤكد المصادر أن قرار العبادي في الشق المالي منه ضَمِن ترتيب الشؤون المالية لنحو 120 ألف مقاتل في «الحشد»، من كل الفصائل، وهي القضية التي شكّلت جوهر مطالب قيادات «الفتح»، وكان متوقعاً أن تكون محور مطالبها الانتخابية.
أما الشق الإداري، وهو الأكثر أهمية في تعليمات العبادي، فضمِن، وفق المصادر، أن يشرف على وحدات «الحشد» ضباطٌ حاصلون على رتبة «الأركان» في الجيش، وهو شرط لا ينطبق على معظم القيادات الحالية، كما أن التعليمات أقرت تعيين نائب إضافي لرئيس هيئة «الحشد» يتمتع بالصلاحيات التي يتمتع بها النائب الحالي، وهو أبو مهدي المهندس. ومن المتوقع أن يعين العبادي بنفسه النائب الجديد، علماً أن مستشار الأمن الوطني فالح الفياض يشغل حالياً منصب رئيس هيئة «الحشد».
وفرضت التعليمات أيضاً تطبيق قانون التقاعد العسكري على عناصر «الحشد الشعبي»، ما يشمل أعداداً كبيرة ممن تتجاوز أعمارهم السن القانوني لضوابط وزارة الدفاع، كما أن التعليمات نفسها أقرت آلية للتطوع تشبه تلك المطبقة على وحدات الجيش.
ويؤكد مراقبون أن توقيت إصدار العبادي قراراته، يشير إلى رغبته بعدم استخدام «الحشد الشعبي» كورقة انتخابية، كما أن صمت معظم القيادات الرئيسة لـ «الحشد» على تلك القرارات لا يعني عدم الاعتراض عليها.
وكان الأمين العام لفصيل «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي اعترض صراحة على تعليمات العبادي، واشترط ضرورة أن يكون قادة «الحشد» ومسؤولوه من التشكيل نفسه، مطالباً بتثبيت أعداد منتسبيه وفقاً لقانون الموازنة، ومعتبراً أنه من دون تنفيذ هذين المطلبيْن، فإن ما جرى يُعد محاولة خداع واستهداف، فيما قال الناطق باسم نعيم العبودي إن «دمج الحشد بالقوات الأمنية سيفقده عقيدته التي من خلالها تم تحرير كل الأراضي العراقية». ووفق مصادر مطلعة، فإن اعتراضات القيادات الرئيسة في «الحشد»، وهي العامري والمهندس والخزعلي، على إجراءات العبادي مرهونة بقدرة الأخير على تنفيذ تعليماته التي لم تُشر إلى قضايا التسليح. ومن المتوقع أن تلجأ الفصائل المتضررة إلى المواجهة في حال شعرت أن القرارات تجرّدها من قوتها. لكن الصدام بين «الحشد» والعبادي مؤجل إلى ما بعد الانتخابات المقررة في 12 أيار (مايو) المقبل.