حسم بشار الأسد خياراته وقرر المضي قدمًا في إكمال "الحل العسكري" رافضًا بذلك الجلوس مع فصائل المعارضة من أجل التوصل إلى حل سياسي.
وخلال اجتماع عقد أواخر العام الماضي جمع الأسد مع مبعوث رفيع المستوى من الكرملين، كان المسؤول الروسي يتحدث عن اقتراب وقت التسوية السياسية بعد الجهود الروسية الكبيرة لدعم النظام، قبل أن يقاطعه الأسد متسائلًا: لماذا؟ وأضاف الرئيس السوري نقلًا عن صحيفة "العرب اللندنية": مع اقتراب الجيش الروسي من تحقيق "انتصار كامل" ألا تزال أي عملية سياسية ضرورية؟ وفقًا لدبلوماسي عربي تحدث إلى صحيفة "نيويورك تايمز".
في السياق ذاته، تضع مقاومة الأسد لرؤية موسكو إلى الحل السياسي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موقف صعب، بعدما بات يشعر أن دخول سوريا، عبر العمليات العسكرية التي أنقذت نظام الأسد بدءًا من عام 2015، كان سببًا في تعزيز النفوذ الروسي في الشرق الأوسط للمرة الأولى منذ عقود، لكن الخروج منها سيكون أصعب كثيرًا، وتحول هذه المعادلة روسيا إلى قوة رئيسية قادرة على إدارة الصراع في سوريا دون منازع، لكنها في نفس الوقت قوة لا تستطيع إدارة الحل.
من جهة ثانية، يقول خبراء استراتيجيون نقلًا عن "العرب اللندنية" إن مشكلة بوتين هي أنه ربط مستقبل الوجود الروسي في المنطقة بمستقبل الأسد ونظامه، دون أن يمنح نفسه مساحة كافية للمناورة.
وليس باستطاعة بوتين اليوم الانسحاب من سوريا، وفي نفس الوقت ليس بإمكانه ممارسة ضغط أكثر من اللازم لفرض حل سياسي على النظام، إذ قد يؤدي ذلك إلى المخاطرة بسقوطه، وهو ما ينهي كل الجهود الروسية على مدار الأعوام الماضية لتقليص النفوذ الأميركي في المنطقة.
بدوره، يعلم الأسد أبعاد هذه المعادلة المعقدة وبتشجيع من إيران، التي يصل حجم قواتها والميليشيات الموالية لها في سوريا إلى قرابة 60 ألف مقاتل، مازال الرئيس السوري مصرًا على مقاومة الإستراتيجية الروسية للتوصل إلى حل سياسي.
يذكر أن سياسة إيران تسببت في تعمق الخلافات بين موسكو وطهران حول الاستحواذ على مشاريع وعقود استثمار في قطاعات النفط والغاز والفوسفات وميناء بحري جديد وشبكة الهاتف المحمول الثالثة.
من جهة أخرى، في نهاية تشرين الثاني الماضي عقد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف اجتماعًا سريًا في موسكو ضم مسؤولين سوريين، وألقى كلمة اتسمت بـ "التفاؤل" حول جهود روسيا "لتوحيد السوريين عبر حل سياسي يحظى بالتوافق ويضع نهاية للحرب"، لكن المسؤولين السوريين لم يبدوا أي اهتمام.
بدورها، ردت بثينة شعبان، مستشارة الرئيس السوري، في خطاب لها على كلمة لافروف، متجاهلة أي حديث عن "الحل السياسي"، وبدلًا من ذلك رددت مرارًا أن دمشق تقترب من إعلان "النصر النهائي"، وأن هذا "النصر تم تأخيره بسبب الدعم القادم من الولايات المتحدة وتركيا" لفصائل المعارضة.
وقد أثار خطاب مستشارة الأسد غضب الروس، الذين نشروا ورقة وزعت قبل الاجتماع جاء فيها أن "بعض المسؤولين الكبار في الحكومة السورية يأملون في تحقيق انتصار عسكري، بدلا من الحل النهائي الذي ستخرج به المفاوضات".
من جهته، قال فيتالي ناومكين، رئيس مركز الدراسات الشرقية في الأكاديمية الروسية للعلوم، ومستشار الحكومة في شؤون الشرق الأوسط، "هذا النصر العسكري الذي يتحدثون عنه وهم، لا يمكن لأحد ربح هذه المعركة".
من ناحية ثانية، يقول خبراء روس في شؤون الشرق الأوسط إن الانقسامات داخل وزارة الدفاع الروسية تضاعف الخلافات بين موسكو ودمشق، ويدفع مسؤولون عسكريون روس باتجاه الاكتفاء بالإنجازات العسكرية التي تحققت في سوريا وسحب القوات وإنهاء الوجود الكبير هناك، وهو ما كان من الممكن تحقيقه بعد هزيمة تنظيم داعش العام الماضي، لكن مسؤولين آخرين، وهم من يطلق عليهم "الصقور" يصرون على أن مصلحة روسيا تكمن في إبقاء جرح سوريا مفتوحًا.