نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمراسلها نيل ماكفركور، يقول فيه إن مشكلة روسيا في سوريا هي رئيس النظام السوري بشار الأسد.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن مسؤولا بارزا في الكرملين جلس العام الماضي مع بشار الأسد، حيث وصف المنافع التي يمكن أن تحصل عليها موسكو لو استطاعت تحقيق تسوية سياسية في سوريا وإعادة بنائها، إلا أن الأسد قاطع المسؤول الروسي، متسائلا عن السبب الذي يدعو روسيا للحديث عن حل سياسي في وقت تقترب فيه الحكومة من تحقيق النصر.
ويقول الكاتب إنه "بعد عامين ونصف من التدخل الروسي لدعم الأسد، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يجد نفسه متورطا في سوريا وغير قادر على حل الأزمة، رغم أنه أعلن أن (المهمة أنجزت) في ثلاث مناسبات، ورغم أن التدخل جعل من روسيا لاعبا مهما في الشرق الأوسط، ولأول مرة منذ عقود، إلا أن إخراج روسيا من سوريا يبدو معقدا أكثر مما تصور".
وتبين الصحيفة أن المشكلة هي أن موسكو قد ربطت نفسها بمصير الأسد، دون أن يكون لديها أي مجال للمناورة، فلا يستطيع بوتين سحب قواته أو الدفع باتجاه حل سياسي في سوريا، بشكل يؤدي إلى انهيار الحكومة السورية، ويعرض جهود تخفيض التأثير الأمريكي في المنطقة وسمعة بوتين للخطر.
ويلفت التقرير إلى أن "الأسد يعلم أن لديه أوراق ضغط، وهي مقاومة محاولات روسيا دفعه لتقديم تنازلات مع المعارضة السورية، وبهذه المعادلة، فإن الحرب مستمرة دون أن تعلم موسكو نتائجها، وباعتبارها اللاعب الخارجي الأقوى، فإن روسيا حملت مسؤولية المعاناة التي عانى منها المدنيون السوريون".
ويذكر ماكفركور أن الأمم المتحدة أصدرت يوم الثلاثاء تقريرا، ربط ولأول مرة الطيران الروسي بإمكانية التورط في جرائم حرب، عندما قامت الطائرات الروسية بسلسلة من الهجمات على بلدة الأتارب، غرب حلب، حيث قتل حوالي 84 شخصا، وجرح 150 آخرين.
وتفيد الصحيفة بأنه توجد في سوريا اليوم تشكيلة من القوات التي تضم مرتزقة من روسيا، الذين لا يشكل مصيرهم صداعا لموسكو في الداخل، ويزيد من مخاطر توسيع درجة العنف، وتعميق التورط الروسي هناك، لافتة إلى أنه في الوقت ذاته فإن هناك تنافسا متزايدا مع إيران بشأن عقود إعادة الإعمار، وهو ما يهدد بتقويض التحالف بينهما.
وينوه التقرير إلى أن الخلافات مع دمشق بدت واضحة في اجتماع خاص للشرق الأوسط، عقد في موسكو، في نهاية شهر شباط/ فبراير، حيث افتتح وزير الخارجية سيرغي لافروف اللقاء الذي استمر ليومين في نادي فالداي للحوار، الذي يعد من أهم المنابر الروسية للسياسة الخارجية، وفي الوقت الذي أشاد فيه بجهود بلاده للتوصل إلى تسوية للحرب، فإن الحكومة السورية لم تظهر أي اهتمام.
ويورد الكاتب أن خطاب مستشارة رئيس النظام السوري بثينة شعبان، حذف منه أي ذكر لكلمة التسوية السياسية، وبدلا من ذلك قالت إن دمشق ستعلن "النصر النهائي" قريبا، الذي يعرقله الدعم الأمريكي والتركي للمعارضة السورية.
وبحسب الصحيفة، فإن روسيا عبرت عن إحباطها، وانتقدت ورقة العمل لحوار فالداي، التي قدمت في بداية اللقاء، الموقف السوري، وجاء فيها: "هناك جزء من النخبة الحاكمة لديهم آمال عريضة لتحقيق النصر العسكري، بدلا من الاهتمام بالمنافع التي تنتج في النهاية من خلال المفاوضات".
وينقل التقرير عن مدير معهد الدراسات الشرقية في الأكاديمية الروسية للعلوم فيتالي نومكين، وهو مستشار حكومي موثوق به، قوله: "هذا النصر العسكري هو وهم، ولا تستطيع الانتصار في ساحة المعركة".
ويشير ماكفركور إلى أن المحللين والخبراء العسكريين في شؤون الشرق الأوسط، لاحظوا أن الانقسامات داخل الحكومة الروسية، خاصة في داخل وزارة الدفاع، أسهمت في وجود الثغرة بين روسيا وسوريا، فمعسكر الحمائم يرى أهمية الاحتفاظ بالميزة العسكرية، والخروج من سوريا، حيث يرون في هزيمة تنظيم الدولة فرصة ضيعت للخروج، أما الصقور فيرون أهمية البقاء الروسي في سوريا كجرح مفتوح.
وتبين الصحيفة أنه على المستوى العملي، فإنه يتم تغيير الضباط كل ثلاثة أشهر، ويحصلون على تجارب في ساحة المعركة، وترفيعات ورواتب عالية، بالإضافة إلى أن سوريا وفرت لروسيا فرصة لاستعراض أسلحتها، التي تعد ثاني أهم مواد تصدرها للخارج بعد النفط.
ويلفت التقرير إلى أنه "بالإضافة إلى الأسد، فإن موسكو تواجه مشكلات لردم الخلافات بينها وبين تركيا وإيران، فمن الناحية الاستراتيجية ترى موسكو وطهران أهمية للحفاظ على الحكومة الحالية، وتحتفظان بعلاقات عسكرية تكافلية، تقوم من خلالها روسيا بالسيطرة على الأجواء و60 ألفا من المقاتلين الموالين لإيران، بتوفير القوة للنظام على الأرض".
ويجد الكاتب أنه مع اقتراب فترة إعادة الإعمار، فإن الشقوق بين الجانبين بدأت بالظهور، خاصة في المجالات المهمة، مثل قطاعات النفط والغاز والفوسفات، وبناء ميناء جديد، وشركة هواتف نقالة ثانية.
وتورد الصحيفة نقلا عن جهاد يازجي من "سيريا ريبورت" في بيروت، قوله إن إيران اعتقدت أنها حصلت على العقود من خلال سلسلة مذكرات وقعتها عام 2017، إلا أن شيئا لم يتحقق، مشيرة إلى أن نائب رئيس الوزراء الروسي ديمتري روغوزين، استطاع الحصول على بعض العقود في زيارة لدمشق في كانون الأول/ ديسمبر، وقال إن روسيا حصلت على سيطرة حصرية على قطاع النفط، الذي سيطرت عليه الشركات الغربية.
وبحسب التقرير، فإن مستشار مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، رحيم سيفي، لاحظ حصول روسيا على تنازلات سياسية وعسكرية واقتصادية، وقال إن سوريا قد تدفع الأموال التي أنفقتها إيران من خلال التعاون في القطاع النفطي والغاز والفوسفات، مستدركا بأن الذين حضروا لقاء المبعوث الروسي مع الأسد، قالوا إن روغوزين تحدث عن توقعات روسيا للحصول على عوائد لقاء ما دفعته من ثمن، ووصف سوريا بأنها "بلد غني بشكل لا محدود".
ويذهب ماكفركور إلى القول: "مهما تكن مطالب روسيا وإيران، فلا يمكنهما توفير أموال إعادة إعمار سوريا، التي تقدر بحوالي 200 مليار دولار، وبدلا من ذلك فإنهما ترغبان على ما يبدو بالعمل بالوكالة عن شركات ودول أخرى، وفي الوقت ذاته ربطت الدول العربية والغربية الاستثمار في إعادة الإعمار بالمصالحة، وكذلك الصين التي تنتظر".
وتنوه الصحيفة إلى أن روسيا تؤكد أن الحوار السياسي على قيد الحياة؛ لأنها تريد دفع الاتحاد الأوروبي والدول المانحة الغنية للمشاركة في عملية إعمار سوريا.
وينقل التقرير عن المحلل السياسي الروسي فلاديمير فرولوف، قوله: "ربط الأمريكيون ودول الخليج والاتحاد الأوروبي عملية إعادة الإعمار بعملية سياسية ذات معنى، التي لا يمكن للروس انتزاعها من بشار.. ولهذا يقوم الروس بحملة علاقات عامة حتى تبدو كأنها حقيقية، ويقودها السوريون من خلال عملية دستورية، وهي في الحقيقة مزيفة؛ لأن الأسد لن يتفاوض ليخرج نفسه من السلطة".
ويعلق الكاتب قائلا، إن "شبح أفغانستان، التي أصبحت مستنقعا للاتحاد السوفيتي في ثمانينيات القرن الماضي، وسرعت من انهياره، تحوم فوق سوريا، إلا أن التزام روسيا هنا يظل أقل من ناحية المال وخسارة الأرواح، وأقل ظهورا في روسيا وللمواطن العادي، وقد تضطر روسيا في النهاية للحوار مع الولايات المتحدة، التي تسيطر على ثلث سوريا ومنابع النفط".
وتورد الصحيفة نقلا عن محللين، قولهم إن نوعا من الحوار الروسي الأمريكي هو الأمل الوحيد لنهاية الحرب، وطالما بقيت فإن روسيا ستكون قادرة على التوصل لسلام مع واشنطن يؤكد دورها في الشرق الأوسط.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالقول إنه "مع ذلك، فإن الانتظار يحمل الكثير من المخاطر التي قد تجر روسيا عميقا في النزاع، ومن خلال نزاع جديد يشعله أي طرف في المعادلة السورية، سواء بين تركيا وأعدائها الأكراد، أو المرتزقة الروس وأمريكا، أو بين الإيرانيين والإسرائيليين".