يقرّ عراقيون باتساع نفوذ إيران في بلدهم، غير أنّهم لا يعتبرونه “قدرا” يستحيل تغييره، مؤكّدين وجود فرصة كبيرة أمام الدول العربية لاستعادة مكانتها في البلد، بما تمتلكه من مقدّرات ضخمة من جهة، وعلى أرضية الأوضاع المترتّبة على سياسات إيران تجاه العراق والأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها الأحزاب والقيادات الموالية لها والممسكة بزمام السلطة في البلد منذ سنة 2003، وأفضت إلى ما هو ماثل اليوم من تراجعات شاملة لمختلف المجالات ومظاهر الحياة من أمنية واقتصادية واجتماعية.
وقال دبلوماسي عراقي سابق عمل في عدد من الدول الأوروبية أثناء فترة حكم حزب البعث، إنّ هناك انطباعا عامّا رائجا حول شيعة العراق على أنّهم شديدو الارتباط بإيران “وهو خطأ ومبالغة وجب تصحيحهما”، بحسب الدبلوماسي ذاته، الذي شرح لـ”العرب” أنّ الحديث عن “ارتباط عاطفي للشيعة العراقيين بإيران انطباع من صنع الإعلام وخلط بين موقف قيادات سياسية عراقية موالية لطهران، وموقف رجل الشارع العادي الذي لا تختلف اهتماماته وطموحاته عن سائر شعوب المنطقة التائقة إلى الأمن والاستقرار وتوفير لقمة العيش وتأمين مستقبل أفضل لأبنائها”.
وأوضح أنّ شيعة العراق على غرار باقي المكوّنات تضرّروا من حرب الثماني سنوات ومازالوا يتضرّرون بفعل جهود إيران المتواصلة وعملها الدؤوب على إضعاف الدولة العراقية، وتفكيك مؤسساتها.
وقال إنّ سكّان جنوب العراق حيث الموطن الرئيسي لشيعة البلاد يلمسون بشكل يومي كيف أنّ إيران تدمّر الأنشطة التجارية والاقتصادية المحلّية عبر حركة تهريب أطنان من السلع الرخيصة والمغشوشة.
وقال إنّ حركة التهريب النشطة من طهران صوب العراق لا تستثني المخدّرات القادمة من أفغانستان، فضلا عن حبوب الهلوسة التي تصنع على نطاق واسع داخل إيران.
وحين يتعلّق الأمر بقضيّة ندرة المياه المتفاقمة في المنطقة -يضيف نفس المتحدّث- فإنّ إيران لم تتردّد في حجز مياه أنهار متجهة إلى الأراضي العراقية بالسدود أو تحويل مجاريها، وإطلاق المياه المستعملة والملوثة ومرتفعة الملوحة في مجاري الأنهار التي يتم حجز مياهها النقية.
وعلى أساس هذه الحقائق تمتلك الدول العربية لا سيما الغنيّة منها فرصة كبيرة للعودة بقوّة إلى الساحة العراقية من بوابة مساعدة العراقيين، حيث لا تمتلك طهران القدرة على مساعدتهم، أو لا تملك الرغبة الحقيقية في فعل ذلك، على غرار ملف إعادة إعمار ما دمّرته حرب داعش.
وخلال الفترة الماضية بدأت تتضح ملامح استراتيجية سعودية لعودة هادئة، لكنّ قوية، إلى الساحة العراقية.
السعودية لن تنطلق من الصفر للعودة إلى الساحة العراقية بل من رصيد سابق من العلاقات والصلات الاجتماعية بين الشعبين
وبحسب مراقبين دوليين فإنّ الرياض تمتلك ما يكفي من القوّة الناعمة لفعل ذلك، وأنّها لن تبدأ من الصفر ولن تنطلق من فراغ، بل من رصيد سابق من العلاقات القوية السياسية وحتّى الاجتماعية مع العراق.
وتوسّع تقرير لمجلة الإيكونوميست في شرح ذلك بقول محرّره إن الصراع بين السعودية وإيران دخل مرحلة جديدة حيث بدأت الرياض في استخدام قوّتها الناعمة بالعراق ما أشعر طهران بشيء من القلق. وورد بذات التقرير أنّ السعوديين بصدد العودة مجدّدا إلى جنوب العراق حيث تستكمل الرياض إقامة مقرّ لقنصليتها في مدينة البصرة.
وذكّرت الإيكونوميست في تقريرها بالصلات الاجتماعية القوية التي كانت قائمة بين الخليجيين والعراقيين قبل تسعينات القرن الماضي حيث كان مواطنو بلدان الخليج يفضلون قضاء عطلاتهم على ضفاف شط العرب جنوبي العراق، مشيرة إلى أن كثيرين منهم امتلكوا فيلات ومزارع حول البصرة وارتبطوا بعلاقات مصاهرة مع العراقيين. وأضافت “بعد ثلاثة عقود من القطيعة يبدو أنهم قرّروا العودة”.
وذكّرت المجلّة بأن العشرات من الشعراء السعوديين سافروا الشهر الماضي إلى مدينة البصرة لحضور مهرجان أدبي، لافتة إلى أن الخطوط الجوية بين السعودية والعراق عادت أيضا للعمل مرة أخرى، حيث وصل عدد الرحلات إلى 140 رحلة شهريا.
وفي حركة لا تقل رمزية وتأثيرا في رجل الشارع العادي استقبل منتخب العراق لكرة القدم مؤخّرا نظيره السعودي في مباراة ودّية اتخذت طابعا احتفاليا كبيرا. وإثر ذلك أعلن في السعودية عن نيّة الرياض التكفّل ببناء ملعب كبير في العراق على نفقة الدولة السعودية.
وتابعت المجلّة أن الشركات السعودية بدأت في افتتاح مكاتب لها في بغداد، مشيرة إلى تعهّد الرياض في مؤتمر الكويت الأخير لإعمار العراق بتقديم نحو مليار دولار إلى بغداد.