أنهى لبنان الرسمي الحكومي والعسكري والأمني استعداداته اللوجستية والإدارية للمشاركة في مؤتمر «روما 2» المخصّص لحاجات القوى العسكرية والأمنية اللبنانية بكامل ما أراده منظّمو المؤتمر والداعون إليه، حاملاً معه كلَّ الدراسات التي وضَعتها الأجهزة المختصة، ولا سيّما منها «الخطة الاستراتيجية» لقيادة الجيش تحت عنوان «حاجات لبنان ما بين عامي 2018 - 2022»، بالإضافة إلى التقارير التي وضعتها المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وتلك التي أنجزتها المديرية العامة للأمن العام.
إعتاد لبنان أن يخاطب المجتمع الدولي والجهات المانحة بمشاريع الخطط الخمسية وقد سبقَ لقيادة الجيش أن وضَعت خطتها السابقة «2013 – 2018» ورصَدت لها من موازنة الدولة بمعدّل مليار ونصف المليار دولار سنوياً وتركت البقية في عهدة المجتمع الدولي الذي قادته المجموعة الدولية لدعمِ لبنان ومعها الأمم المتحدة والاتّحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والتي شكّلت في المرحلة السابقة العمود الفقري للمساعدات التي أقِرّت في مؤتمر «روما 1» والتي كانت مادة للهبةِ السعودية بملياراتها الثلاثة التي جُمِّدت بعد رحيل العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز ومعها ما لم يصرَف من هبة المليار الرابع الذي خُصّص لمكافحة الإرهاب، والتي استفاد منها لبنان بمعدّل لم يقترب من النصف، بعدما تبيَّن أنّ بعض المديريات الأمنية لم تكن جاهزةً للاستفادة من الهبة الاستثنائية وكانت أُخرى تعرف ما تريده من تجهيزات تقنية وفنّية، ففازت بالنسبة الكبرى منها فور إقرارها.
وعلى عتبة «روما 2» سيغيب عن لبنان بدءاً من الأربعاء المقبل رئيس الحكومة سعد الحريري ومعه وزراء الدفاع والداخلية والخارجية، وربما وزراء آخرون، ومعهم قادة الأجهزة العسكرية والأمنية مترئسين وفوداً مِن الضبّاط الكبار المعنيين بملفات التسليح وتقدير حاجات هذه المؤسسات على كلّ المستويات. وسيكون هؤلاء جميعاً في روما استعداداً لِما سمّته مراجع معنية بالمواجهة الأولى مع المجتمع الدولي متسلّحين بالعديد من أوراق القوّة التي قد لا تكون متوفّرة في المواجهة اللاحقة مع المؤتمرات الاقتصادية والمالية وتلك التي تعنى بالنازحين السوريين لألف سبب وسبب.
وفي المعلومات أنّ المجتمع الدولي الذي سيكون حاضراً في روما بجميع ممثليه يَعرف سلفاً عن كثير من الإنجازات التي حقّقها لبنان على مستويات عدة.
فالمهمّات الاستطلاعية التي نفّذتها وفودها في بيروت حملت إلى حكوماتها كمّاً من التقارير التي أحصَت الإنجازات الكبرى في المجالات العسكرية والأمنية، ولا سيّما منها تلك الخاصة بنتائج عملية «فجر الجرود» ضدّ الإرهابيين على الحدود، وبعددٍ لا بأس به من العمليات الأمنية «الاستباقية « التي نفّذتها في مواجهة الإرهابيين في الداخل، بالإضافة إلى الشبكات التي تُتقن عمليات الخطف المنظّم بهدف الفدية المالية، وتلك التي تتولّى نقلَ وتبييض الأموال غير المشروعة التي عشّشت في البلد في أكثر من بقعة ومخيّم، وتمكّنَت من زرعِ شبكات مماثلة لها في دولٍ عدة في العالم وخصوصاً في أوروبا أو أفريقيا ودول أميركا اللاتينية وشرق آسيا.
وعلى هذه الخلفيات يمكن للّبنانيين أن يَطمئنوا إلى ما يمكن أن يقدّمه مؤتمر «روما 2» من مساعدات وهبات على الرغم من أنّ بعض ما كان مقرّراً منها قد وصَل إلى لبنان سلفاً، خصوصاً على مستوى الهبة الفرنسية الأخيرة التي قُدّرت بـ 14 مليون يورو، وتلك البريطانية الجاري تقديمها بطريقة مستدامة لتشكيل أفواج الحدود وإنشاء مراكز الرصد والمراقبة، وكذلك تلك التي عزّزت من قدرات العسكريين اللبنانيين الفردية والتقنية وفي مهمّات الاستطلاع والاستعلام البرّي والجوّي والاستخباري التي رفعَت من نسبتها الهباتُ الأميركية إلى الدرجة التي لم تكن متوقّعة.
وكلّ ذلك جرى على خلفية ما فاجأت به الأجهزة العسكرية والأمنية اللبنانية المجتمعَ الدولي من عمليات نوعية، وإن كانت عملية «فجر الجرود» قد خطفَت الأضواء في المجتمع الدولي والجهات المانحة، فإنّ هناك عمليات أُخرى لم يُكشَف عنها نفّذتها أجهزة أُخرى ولا سيّما منها المديرية العامة للأمن العام والتي فتحت مجالاً لتعاونٍ غير مسبوق مع كثير من أجهزة دول العالم.
وبناءً على ما تقدَّم، وفي الوقت الذي يحضر لبنان مؤتمر روما، فإنّه لا تزال هناك استعدادات جارية لمقاربة المؤتمرَين الآخرين وسط عددٍ مِن الأسئلة حول طريقة مقاربة بعض الدول المانحة التي تنتظر وتراقب نيّات الحكومة وقدراتها في تنفيذ ما تعهّدت به ولم تفعله حتى الآن.
علماً أنّ هناك دولاً ترغب، بغَضّ النظر عمّا هو مطلوب، وهي تراقب بدقّة متناهية مدى استعدادات الحكومة للإيفاء ببعضه على المستوى المالي بالدرجة الأولى، وتالياً على المستوى التشريعي للتثبتِ مِن قدرة اللبنانيين على تنفيذ ما قد يُطلب منهم لاحقاً.
ومِن هنا ترصد هذه المراجع حجمَ الإصلاحات المالية التي عبّرت عنها موازنة 2018 وتلك الموعودة. وإذا كانت بعض الدول تشكّك في القدرة على الإيفاء بما هو مطلوب قبل مؤتمرَي باريس وبروكسل فإنّ البعض منها يستعدّ لإعطاء اللبنانيين فترةَ سماح جديدة على رغم تشكيك البعض منهم بقدرة الحكومة الحاليّة التي تستعدّ لتركِ السلطة في نهاية أيار المقبل لتشكّلَ حكومة جديدة تقود مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة.
وفي ظلّ هذا التشكيك يرى المراقبون أنّ على المجتمع الدولي أن يتيقَّن من أنّ الحكومة المقبلة لا يمكنها الخروج على ما تعهَّدت به الحكومة الحالية وما يمكن أن تتعهّد به لاحقاً، فرئيسُها سيكون هو نفسه، والعهد الذي يرعاها سيبقى هو هو، لا بل فإنّ رئيس الجمهورية لم يعتبر أنّ هذه الحكومة، وعلى رغمِ استهلاكها أقلّ مِن ثلثِ ولايته، حكومتُه الأولى، وهو يُراهن على أن تكون الحكومة المقبلة هي حكومة العهد الأولى.
وإلى تلك المرحلة، يبقى الرهان على أن يظهر لبنان وحكومتُه الجدّية المطلوبة لمقاربة الملفات المطروحة على المؤتمرات المقبلة ليثبتَ قدرته على استدرار الدعم الذي يطالب به، وإنْ كان من الصعب تقديره من الآن، فالدول الداعمة عوَّدت لبنان على تلبية شيءٍ من مطالبه. وليس ثابتاً من اليوم ما سيكون عليه شكلاً ومضموناً.