أهي حوادث السير المتكررة في معظم المناطق اللبنانية، والتي تغيّب بلمح البصر أهلنا وأبناءنا وفلذّات أكبادنا عن الوجود؟ أم هي أوضاعنا الاجتماعية والمعيشية الصعبة التي تجعلنا نلهث وراء أعمالنا في سبيل تأمين لقمة العيش ومن أجل حياة كريمة وشريفة؟
قبل أيام غيّب الموت الموظف في تلفزيون "الجديد" عز الديم الحلبي في حادث سير على طريق كفرحيم في الشوف خلال عودته من عمله. وفجر اليوم خطف الموت الشاب الصيداوي الموهوب في الغناء والعزف على العود عماد محمد حشيشو، الذي توفي في حادث سير على أتوستراد صيدا الشرقي، حيث اصطدمت سيارته بسيارة كانت متوقفة على جانب الاتوستراد ـ المسلك الغربي، بعد عودته من احدى البروفات لحفلة غنائية في بيروت – الحمراء.
وعماد البالغ من العمر ثلاثين عاماً هو ابن عائلة كادحة ومناضلة بكل ما للكلمة من معنى، تعود جميع اصدقاء والده مناداته بـ"الرفيق محمد". فهو أفنى حياته متفرغاً في الحزب الديموقراطي الشعبي، وفي الدفاع عن المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي وعن قضايا الناس والقضية الفلسطينية. وبقي ملتزماً بالفكر الماركسي اللينيني حتى بعد فترة انهيار الاتحاد السوفياتي. أما والدته سناء فهي أيضا ناشطة عنيدة في الدفاع عن حقوق المرأة وعن قضايا الفقراء والمعوزين. وهي لم تتوانَ قبل سنوات من افتراش وسط الطريق العام قبالة مصلحة مياه صيدا خلال تظاهرة احتجاجاً على الانقطاع المتواصل لمياه الشفه وللكهرباء عن أحياء صيدا القديمة.
يقول عمه علي حشيشو: "اسم عماد هو هدية من والده الذي كان اسماً حركياً لوالده خلال مسيرته في الحزب. وعماد شذَّ عن القاعدة التقليدية، فاتجه باكراً إلى الفن والموسيقى والتمثيل. وأعطاها سني عمره، وخسارته لن يعوضها شيء. فعماد رحل ولن يعود".
وكتب بعض زملائه على صفحته: "كانت هي المرة الأولى لي في بيروت التي أذهب فيها إلى حفل موسيقى شرقية. كانت لطيفة، والألطف من ذلك كله هو عازف العود هذا الذي لفت انتباهي وشد مسامعي بأسلوبه وطريقته وإحساسه الجميل، الذي كله أريحية، وبعيد كل البعد عن الكُلفة.
كنت أنتظر حفلاً قادماً له ولمن معه، يبدو أننا سنسمعه
من السماء..
غادرنا وبقيت لنا صورته وموسيقاه.
فليكن السلام رفيقاً دائماً لك كما كانت الموسيقى".