حين يواجه حزب الله التيار الوطني الحر في عمق كسروان، يكون الضرب بين الطرفين أصبح تحت الزنّار. لا يخفي متابعون حجم امتعاض حزب الله من قرار التيار رفض ضم مرشح الحزب حسين زعيتر على لائحة التيار في كسروان جبيل. الأمر الذي غيّر المعادلات. وكأن الوزير جبران باسيل، بمعزل عن الحسابات الانتخابية والتحالفية مع الأفرقاء الآخرين، أراد القول للحزب، إن التزامك بالتحالف المطلق مع الرئيس نبيه بري، ووصفه التحالف الثابت والأوحد، سيكون له ثمن. والثمن هو خسارة مرشّح الحزب في هذه الدائرة، فيما كان الحزب يعتبر أن فوزه مضموناً.

مشكلة حزب الله الآن، هي في كيفية تشكيل لائحة، ليس بالضرورة أن تكون مكتملة في كسروان- جبيل، بل على الأقل إيجاد شخصيات قادرة على تجيير أصوات "الكسروانيين" لأجل توفير حاصل انتخابي واحد على الأقل، ليوفر فوز مرشّحه الشيخ حسين زعيتر الذي لديه الأصوات التفضيلية الأكثر. وبالتالي قادر على الخرق. ويجهد حزب الله لإقناع الشخصيات الكسروانية بالتحالف معه، لكن المفاوضات لم تصل إلى نتيجة مع فريد هيكل الخازن، وكذلك مع النائبين يوسف خليل وجيلبرت زوين، اللذين استثناهما التيار الوطني الحر من ترشيحاته.

ومن استطاع الحزب بإقناعهم غير قادرين على تجيير الأصوات، وفق بعض المعطيات، خصوصاً أن التيار الوطني الحر استطاع تشكيل لائحة تمثّل أقوى أقوياء كسروان، وهي موزعة بين ممثلين عن المجتمع المدني كالوزير السابق زياد بارود، العميد شامل روكز قادر على استقطاب أصوات غير العونيين، منصور البون، ومرشح ملتزم في التيار. وتعتبر هذه اللائحة كاسحة للأصوات. والأخطر من ذلك، أنه لطالما عمل التيار الوطني الحر على التجييش المذهبي والجغرافي في هذه الدائرة، لتحفيز جمهوره على انتخابه، واليوم أي خطوة من هذا النوع، قد تمثّل أول الافتراقات بين جمهور التيار المسيحي وحزب الله.

انتخابات كسروان- جبيل، ستكون الامتحان الجدّي الأول لعلاقة التيار الوطني الحر وحزب الله، بعيداً من الحسابات السياسية. ستكون امتحان حجم العلاقة على الأرض، وكيفية انعكاسها على المواطنين والجمهور. صعوبة إيجاد الحزب مرشحين أقوياء في كسروان يوفرون الحاصل الانتخابي لتوفير الخرق بمقعد واحد، تمثّل حجم صعوبة إقناع المرشحين بأن يتحالفوا مع الحزب على لائحة واحدة. السبب الأساسي الذي يمنعهم من ذلك، هو تخوفهم من ردّة الفعل الشعبية على هذا الخيار، ويعتبرون بأن فرص خرقهم صعبة جداً، لأن توفير الحاصل الانتخابي لهذه اللائحة سيمنح الفوز لمرشّح الحزب فقط، فيما هم سيخسرون أولاً، وثانياً قد يؤثر هذا التحالف سلباً على واقعهم في الاستحقاقات المقبلة كسروانياً.

لا شك أن هذه المعركة سترخي بظلالها على دوائر أخرى. وستكون المواجهة شرسة بين حزب الله والتيار الوطني الحر، في دائرة صيدا- جزين، وفي دائرة الجنوب الثالثة، خصوصاً إذا ما أصر التيار الوطني الحر على التحالف مع تيار المستقبل لخوض المعركة هناك. وسيعتبر الحزب أن التيار يردّ له معركة كسروان- جبيل، بمعركة أخرى في عقر داره الجنوبي أيضاً.

يعتبر حزب الله أن باسيل، يبحث عن مصلحته فحسب، وحيث تقتضي مصلحته التحالف مع الحزب، فهو يفعل ذلك، أما حيث تتضارب مصلحته مع الحزب، فيلجأ إلى مواجهته. كان الحزب يتفهّم ذلك نوعاً ما، لكن في مرحلة معينة بدأت قيادات الحزب تضيق ذرعاً من ذلك، وتبدي تخوفاً من ردّة فعل شعبية. وفيما كان الحزب يحاول احتواء باسيل واحتضانه، من خلال تبني ترشيح مرشحه عن مقعد الأقليات في بيروت الثانية، بدلاً من مرشّح الحزب القومي، برزت معلومات تفيد بأن الرئيس نبيه بري يرفض هذا الترشيح، لأنه يرفض أن تضم لائحة واحدة مرشحاً لحركة أمل مع مرشح للتيار الوطني الحر. الاستثناء الوحيد الذي قد يحصل هو في دائرة بعبدا.