في الجرائم المتمادية، مثل التي يرتكبها النظام السوري وحلفاؤه في الغوطة، يجور تكرار الاحتجاج والاعتراض والرفض، حتى لو لم يحمل أي من هذه المواقف جديداً. الصمت على قتل البشر بالجملة واستهداف المستشفيات والمراكز المأهولة شراكة في الجريمة وتواطؤ مع القاتل.
لا تقدم التحليلات العسكرية والميدانية، ناهيك عن السياسية، لأهمية الغوطة ودورها في الثورة السورية ثم سيطرة فصائل إسلامية عليها والحملة الكبيرة الدائرة الآن لتدمير الحاضنة الشعبية للثورة في سياق تطهير طائفي لتغيير الطبيعة السكانية للعاصمة السورية ومحيطها، لا تقدم شيئاً جديداً. مثلها مثل الحديث عن عدد الضحايا الذين يسقطون يومياً ببراميل بشار الأسد وصواريخ فلاديمير بوتين. في المقابل، يفضي الصمت إلى القبول بالمجزرة الدائرة ورفع العجز شعاراً للأقربين قبل البعيدين.
بل أن التمسك بإدانة قتل المدنيين، من أنّى جاء ولأي هدف رمى، بداهة يتعين تكرارها من دون كلل أمام الانحسار المشهود لرقعة الاعتراف بالإنسان كقيمة ينبغي الحفاظ عليها. والحال أنه لم يبق أمام رافضي التسليم بعادية حرق الأطفال وقصفهم بالغازات السامة وتدمير المباني على رؤوس قاطنيها، إلا هذه الكلمات على رغم ما فيها من إعادة صارت تبعث على ملل الجمهور المدمن على السبق الصحافي والمطالب بأخبار جديدة. تكرار الاحتجاج والرفض والإدانة هو ما يحول بيننا وبين إدارة الظهر وغض النظر عن قتل مجاني ومجنون بشعارات كاذبة من أول حرف فيها إلى آخر «قراءة استراتيجية» لمؤيدي سفاحي القرن الحادي والعشرين، وهو ما يبقي الجدار مرتفعاً بين القاتل والقتيل.
الموافقة الضمنية أو العلنية على هذه المجزرة وعلى كل مجازر الأسد وحلفائه، بل كل الجرائم التي شهدتها سورية في الأعوام السبعة الماضية تحت عناوين وأعلام مختلفة، تنزع ما تبقى لدينا من صفات إنسانية وتحيلنا إلى كمية من المخلوقات الخاملة تنتظر دورها في مسلخ آلي لا قِبَل لها على وقف عجلاته. رفض المجزرة في الغوطة بصفتها جريمة ضد الإنسانية أولاً، لا يجب أن يعني تأييداً لفصيل هنا ومجموعة مسلحة هناك بل يعني رفض الوحشية بصورتها البدائية والإصرار على موقع الإنسان في هذا العالم المنحدر سريعاً نحو البربرية الممكننة.
أبلغنا وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون (في المقابلة مع الزميلة «الشرق الأوسط») بأن بلاده، العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي وأحد أعضاء النادي النووي، تشاهد وتراقب ما يجري في الغوطة لكنها لن تفعل شيئاً لوقف حمام الدم «لأنها لا تريد أن تعد بشيء لا تستطيع الوفاء به». شرح الوزير لأسباب هذا الامتناع عن مد يد النجدة وترك الغوطة وبالتالي سورية والمشرق العربي برمته نهباً للحروب ولعمليات الإبادة لا يهم كثيراً. ما يفترض أخذه في الاعتبار أن النظام العالمي قد تخلى عن شعاراته الكبيرة التي رفعها غداة الحرب العالمية الثانية وأقر بأن الوحشية التي كانت مدانة في العقود السابقة سواء في فيتنام أو في أفغانستان، على أيدي الأميركيين والسوفيات، باتت جزءاً من الممارسة السياسية التي تحظى بغطاء شرعي، عملي إن لم يكن لفظي.
مناخات مجازر جنكيز خان وتيمور لنك يعاد النظر فيها كأعمال تصلح لإدارة عالم لا يحترم إلا العنف.