تستغل تركيا انشغال بغداد بملف الانتخابات، وحاجتها إلى التهدئة مع الجيران، لإطلاق عمليات ضد الوجود الكردي المسلح في شمال العراق، والذي يمثله حزب العمال الكردستاني.
وكشف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أن بلاده تبحث هذه العملية مع العراق، مشيرا إلى أنها ربما تنطلق عقب الانتخابات العراقية المقررة في مايو القادم.
وقال جاويش أوغلو إن بلاده تعتزم تنفيذ “عملية عسكرية برية مشتركة مع بغداد ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق”، على غرار عملية غصن الزيتون، التي يشنها الجيش التركي وفصائل من الجيش السوري الحر في عفرين شمال سوريا.
ونقلت وسائل إعلام تركية قوله لمراسلي وسائل إعلام محلية، خلال رحلة إلى فيينا، إن بلاده تخطط مع الحكومة الاتحادية العراقية للقيام بعملية عسكرية عبر الحدود في شمال العراق ضد مسلحي منظمة حزب العمال الكردستاني.
وأضاف “حتى إذا لم تكن عملية عفرين، في شمال سوريا، قد انتهت، فإننا قادرون على تنفيذ العمليتين في وقت واحد”.
وأشار الوزير التركي إلى أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يريد تخليص العراق من جميع المنظمات الإرهابية، مضيفا أن مسلحي حزب العمال الكردستاني أصبحوا يشكلون تهديدا ليس فقط للحكومة المركزية في بغداد وإنما أيضا لحكومة إقليم كردستان، لكونهم يسعون لتشكيل تكتلات تشبه الكانتونات في البلاد.
ولم تعد العلاقة بين حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا، والأحزاب الكردية في إقليم كردستان العراق على ما يرام، منذ تقارب الأول مع قوات الحشد الشعبي المدعومة من إيران، إبان الحرب على تنظيم داعش.
وسيطر الحزب على أجزاء واسعة من منطقة سنجار شمال غرب الموصل معقل الديانة الإيزيدية، التي يرتبط زعماؤها الروحيون بعلاقات وثيقة مع زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، عقب استعادتها من تنظيم داعش في العام 2015، ما أضاف المزيد من التوتر على العلاقة مع العمال الكردستاني.
وأسهم ازدهار العلاقة بين البارزاني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تجفيف معظم منابع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
وتحاول تركيا القضاء نهائيا على معاقل الحزب في جبل قنديل، في المنطقة الحدودية بين العراق وتركيا وإيران، ونجحت في ذلك إلى حد ما بمساعدة من أكراد العراق مؤخرا. وتأتي العملية العسكرية، التي تحدّث عنها وزير الخارجية التركي، في هذا السياق.
جاويش أوغلو: تركيا قادرة على تنفيذ عمليتين في وقت واحد في عفرين وشمال العراق
ولكن الجديد فيها أنها قد تتم بمساعدة إيرانية، ما يشير إلى انقلاب في العلاقات بين حزب العمال وطهران على خلفية تعقيدات المشهد السوري.
ولا تخفي إيران تنسيقها العلني مع تركيا والعراق، فيما تقول إنه “إفشال لمخطط أميركي يستهدف فصل كردستان عن العراق”.
ويقول رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإسلامي في إيران، علاء بروجردي، “هناك تعاون جدي بين إيران وتركيا والعراق لإفشال المؤامرة الأميركية لتقسيم العراق وفصل إقليم كردستان”.
وتذكّر إيران بلجنة التنسيق التي تجمعها مع العراق وسوريا وروسيا، وهو ما يعتبره مراقبون مدخلا للمزيد من التدخل الإيراني في الشؤون العراقية.
لكن مصادر حكومية في بغداد، أبدت قلة اهتمام بتصريحات وزير الخارجية التركي عن عملية مشتركة في شمال العراق.
وقالت المصادر إن “هذا الملف ليس من أولويات الحكومة العراقية حاليا”، نافية علمها بوجود أي ترتيبات بين بغداد وأنقرة في هذا الشأن.
ويقول مراقبون في بغداد إن تركيا ربما تستغل انشغال العراق بملف الانتخابات لتنفيذ عمليات على الحدود ضد حزب العمال الكردستاني.
ويضيف المراقبون أن أنقرة ربما تقرأ في الانشغال العراقي ضعفا يسمح لها بتعزيز وجودها العسكري داخل الأراضي العراقية.
وأكد مراقب عراقي أن للحكومة الاتحادية في بغداد مصلحة أكيدة في إضعاف الأكراد وزعزعة قدرتهم على المطالبة بما يرونه حقا لهم، وبالأخص على مستوى حصة الإقليم الكردي من ثروة العراق والتي جرى التحايل عليها في موازنة 2018.
وأضاف المراقب في تصريح لـ”العرب” أن أكراد العراق هم اليوم في أشد مراحلهم ضعفا وأن التدخل التركي سيزيدهم ضعفا، مشيرا إلى أن الطرفين؛ العراقي والتركي، سيسعيان للاستفادة من ذلك التوقيت لكي يحقق كل طرف منهما أهدافه على حساب الأكراد.
واعتبر أن بغداد تنكر معرفتها بما يجري لكي لا تبدو، قبل أن تبدأ المعارك، كما لو أنها تخطط لإلحاق الأكراد بالسنة في العراق من جهة استضعافهم ودفعهم خارج العملية السياسية، حيث سيكون في إمكان سلطات بغداد أن تختار شركاءها من السنة والأكراد بمزاج شيعي.
وتملك القوات التركية وجودا فعليا داخل العراق، وتحديدا في منطقة بعشيقة قرب الموصل.
وأثار هذا الوجود العسكري الجدل، وطلبت بغداد رسميا من أنقرة سحب جنودها، لكن الأخيرة قالت إن مهمة هذا الوجود تدريبية بحتة.
ومن المنتظر أن يقفز ملف الوجود العسكري التركي في شمال العراق نحو الواجهة مجددا خلال الدعاية الانتخابية لاقتراع مايو، وربما يستخدم ضد حيدر العبادي الذي يتهم بالتساهل مع تركيا.