حذّر السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، في 27 شباط/فبراير الماضي، بعد زيارة له إلى الشرق الأوسط، من أنّ إسرائيل تُعدّ العدّة للحرب. يبدو "حزب الله" مستعدّاً لهذا الاحتمال؛ فهو يعمد إلى صقل مهاراته ويؤدّي دوراً متعدّد الأوجه في سوريا، حيث حقّق أيضاً الكثير من الأهداف المهمّة، وفقاً لأحد مقاتليه ولمصادر مقرّبة من التنظيم اللبناني.

تواجه سوريا منعطفاً جديداً في حربها الأهلية، ولم يسبق أن أظهر مقاتلو حزب الله، منذ بدء الثورة السورية في العام 2011، هذا القدر من الاستباقيّة في التعامل مع إمكانيّة اندلاع نزاع مع إسرائيل.

قال أحمد، وهو قنّاص في حزب الله تحدّث مع المونيتور في لبنان شرط عدم الكشف عن هويّته، "نحن مستعدّون جداً لإمكانية اندلاع حرب، ولن تكون شبيهة بأيّ حرب أخرى".

وقال مصدر مقرّب من مقاتلي حزب الله، طلب أيضاً عدم الكشف عن هويته، لموقع المونيتور، إنّ المواجهة الأخيرة التي وقعت في شباط/فبراير الماضي بين إسرائيل من جهة وإيران وحزب الله وسوريا من جهة ثانية، كانت كميناً نصبته طهران.

في العاشر من شباط/فبراير، أسقطت سوريا مقاتلة "إف-16" إسرائيليّة، بعد إرسال إيران طائرة من دون طيّار إلى الأجواء الإسرائيليّة، ثم قيام إسرائيل بشنّ هجوم على سوريا وعلى المصالح الإيرانيّة هناك. وقال المصدر، "ضاق الإيرانيّون ذرعاً بالاستهداف الإسرائيلي المنهجي لمصانع الأسلحة وعمليّات تدمير الأسلحة التي يتم نقلها إلى حزب الله. وأتى استهداف الطّائرات الإسرائيليّة بشكل رئيسي بمثابة رسالة إيرانيّة إلى الإسرائيليّين مفادها أنّ قواعد الاشتباك تغيّرت في سوريا". ونذكّر بأنّ إسرائيل قصفت أهدافًا سورية وإيرانيّة – بما في ذلك أهدافًا تابعة لحزب الله – أكثر من مئة مرّة في سوريا.

منذ العام 2011، يتسلّل حزب الله إلى الحرب السورية التي انطلقت بدايةً بين نظام الرئيس بشار الأسد وتمرّدٍ يقوده السنّة بشكل أساسي. تدّخل حزب الله، وهو تنظيم مقاتل شيعي لبناني، ضدّ ما اعتبره تهديداً مباشراً لحليفه السوري، الذي يُعَدّ عنصراً أساسياً في "محور الممانعة" الإيراني الذي شكّله كلّ من إيران، وسوريا وحزب الله في تلك المرحلة.

نشر حزب الله بصورة متقطّعة ألفَين إلى ثمانية آلاف مقاتل، وفق ما أفاد به الخبير في الشّؤون السوريّة سمير حسان لموقع المونيتور. وقد شنّت هذه القوّات عمليّات عسكرية هجوميّة بالتنسيق مع جيوش أخرى، وخطّطت لخوض معارك في إطار عمليّة مشتركة مع إيران وروسيا. وأدّت أيضاً دوراً بارزاً في تدريب الميليشيات الموالية للنظام، وفق ما جاء في مقابلات أجراها موقع المونيتور في وقت سابق مع مقاتلين من حزب الله.

تحدّث الباحث في "منتدى الشرق الأوسط" أيمن جواد تميمي، لموقع المونيتور، عن الدّور القيادي الذي تؤدّيه إيران، الجهة الداعِمة لحزب الله، في تدريب "قوات الدفاع الوطني" السورية و"قوات الدفاع المحلي" وتنظيمها.

وقال القنّاص أحمد، "لدى حزب الله قادة ومستشارون يخدمون في صفوف هذه القوات"، مضيفاً أنّ الدور التدريبي للتنظيم اللبناني محدود في الوقت الراهن، نظراً إلى أنّ معظم القوّات باتت تمتلك قدرات فائقة الأداء. وكانت قد كشفت مقابلات أُجريَت سابقاً مع مقاتلين في حزب الله أنّ التدريب يشتمل على مجموعة من البرامج، من الدّورات العقائديّة وصولاً إلى الدّورات البدنيّة، فضلاً عن التّدريب على المهامّ الاستطلاعيّة واستخدام الأسلحة المتنوّعة.

يتقاطع كلام أحمد مع تقرير بقلم رسلان ماميدوف بعنوان "الفيلق الهجومي الخامس. العودة إلى النظام في سوريا؟" صادر عن المجلس الروسي للشّؤون الدوليّة. لفت ماميدوف إلى أنّ خبرة مدرّبي حزب الله "ليس لها [مثيل]". وذكر التقرير أيضاً أنّ هناك خططاً في سوريا لتجنيد قادة عسكريّين "من صفوف ضباط حزب الله المتقاعدين والموثوقين في الوقت عينه".

غير أنّ الدور الذي يؤدّيه "حزب الله" بناءً على الأوامر الإيرانيّة لا يقتصر على القتال ضد المعارضة السوريّة، على الرّغم من أنّ أحمد يعتقد أنّ النزاع لم ينتهِ فصولاً بعد. وهو يقول في هذا الصدد، "على الرغم من الكلام المتداوَل عن أنّ الحرب في مراحلها الأخيرة، يبدو لي أنه ما زال علينا أن نقطع شوطاً طويلاً"، مضيفاً، "لا يزال النزاع في شمال سوريا بعيداً جداً عن بلوغ خواتيمه".

تؤمّن المساعي التي يبذلها حزب الله في سوريا ونجاحاته هناك، قوّة ردع كبيرة لإيران، الجهة الداعِمة للحزب، في اللعبة الإقليميّة. بفضل دعم إيران، تمكّن حزب الله في سوريا من تشكيل وحدات للانتشار السريع، وتعزيز عتاده العسكري، والمساهمة في إنشاء قوس أمني يضمّ مجموعات قتاليّة أخرى موالية لإيران من العراق وسوريا.

وأضاف أحمد، "أظن أنّ باكورة نجاحاتنا الكبرى تمثّلت في قدرتنا على تشكيل وحدات ونشرها بسرعة في أي مكان في سوريا. هذه ستكون ميزة أساسية في الحرب المقبلة [مع إسرائيل] وسوف تمنحنا مرونة".

ويوافقه الرأي الصّحافي والخبير في شؤون حزب الله، نيكولاس بلانفورد، فقد قال لموقع المونيتور إنّ التنظيم اللبناني حقّق درجة عالية من القدرة على التحرّك في سوريا، حيث يمكنه أن ينتشر بسرعة مع عدد قليل جداً من الأسلحة، على غرار رجال الإطفاء الذين يُخمدون النيران متى وحيثما دعت الحاجة في مختلف أنحاء البلاد.

يبدو أنّ الإنجاز الثاني الذي حقّقه حزب الله وإيران تمثّل بزيادة ترسانة الحزب من صواريخ أرض-أرض الموجَّهة بدقة التي تزوّده بها سوريا وإيران. أوردت مصادر مقرّبة من حزب الله أنّ التنظيم يُشغّل منشآت لإنتاج الأسلحة في لبنان، تقوم بتصنيع صواريخ موجَّهة وطائرات من دون طيّار يمكن تجهيزها بشحنات متفجِّرة. وقد تحدّث مسؤولون إسرائيليون عن وجود هذه المنشآت في شهر آب/أغسطس الماضي. وهذا ما أشارت إليه أيضاً صحيفة "الجريدة" الكويتية نقلاً عن عنصر في الحرس الثوري الإسلامي الإيراني.

غير أنّ إسرائيل حذّرت من أنّها لن تسمح بقيام مصانع للأسلحة تابعة لأطراف موالية لإيران في سوريا ولبنان. في أيلول/سبتمبر الماضي، أوردت صحيفة "الغارديان" أنّ مقاتلات إسرائيليّة قصفت منشأة تابعة للنظام السوري شمال غرب البلاد. واستهدف الهجوم مركز جمرايا السوري للبحوث العلمية الذي ربطته تقارير استخباريّة غربيّة بالأسلحة الكيميائيّة.

وقال بلانفورد، "يعمل حزب الله، وإيران والسّوريّون على إدخال تعديلات إلى مجموعة صواريخ فاتح-110 الإيرانيّة، مثل خفض حجم الرؤوس الحربيّة لزيادة مداها أو إضافة منظومات توجيه إلى الصّواريخ"، مضيفاً أنّ "القدرة على ضرب أهداف في إسرائيل بدقّة في حال اندلاع حرب، ترتدي أهميّة محوريّة بالنسبة إلى حزب الله، كما أنّها مصدر قلق أساسي بالنّسبة إلى إسرائيل".

أمّا الإنجاز الثالث الذي حقّقه حزب الله وإيران فهو تشكيل قوس دولي شبه عسكري يمتدّ من العراق مروراً بسوريا ووصولاً إلى لبنان. قال أحمد، "لم يعد حزب الله اللبناني وحيداً – هناك حزب الله السوري وحزب الله العراقي. لا أقصد ذلك بالمعنى الحرفي للكلمة، إنما أتحدّث عن كيان منظَّم يتشارك الأيديولوجيا عينها والهدف عينه في المنطقة".

تُرجّع شهادة المقاتل في حزب الله صدى بيانٍ صادرٍ عن أكرم الكعبي، أمين عام ميليشيا "حركة حزب الله النجباء" العراقيّة النافذة، الذي تعهّد في 14 شباط/فبراير بالوقوف إلى جانب حزب الله في حال اندلاع حرب جديدة مع إسرائيل. وكان تصريحه هذا مشابهاً أيضاً، من نواحٍ كثيرة، لتصريح أدلى به قيس الخزعلي، زعيم تنظيم "عصائب أهل الحق" الشيعي العراقي شبه العسكري، في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي في مقطع فيديو جرى تداوله عبر الانترنت.

ويقول أحمد إنّ "جميع الفصائل في العراق، وسوريا ولبنان سوف تقاتل معاً في الحرب المقبلة". إذا كان ذلك صحيحاً، قد تشهد المنطقة ظهور ميليشيا إقليميّة اتّحاديّة جديدة، يؤدّي فيها حزب الله دوراً أساسياً، انطلاقاً من خبرته الممتدّة على مدار أربعين عاماً ونظرته الإقليميّة إلى مسارح الحروب.