بموجب قانون الإنتخاب الجديد الذي يعتمد النظام النسبي، تغيّرت قواعد اللعبة الإنتخابية في كثير من جوانبها الإدارية والإحصائية والتقنية والمالية، كما السياسية، التي تحكّمت لاحقاً بحركة الترشيحات وحجم التحالفات وشكلها ومضمونها، وخوض غمار المواجهة في معركةٍ انتخابية هي الأقصر في تاريخ الإنتخابات منذ الإستقلال، والتي يمكن أن تنتهي بتجديد السلطة التشريعية في مهلة أقصاها شهرين تلت بداية فهم ما فرضه القانون الجديد من قواعد لامست مختلف وجوه العملية الإنتخابية.
على هذه الخلفيات، اضطرت الماكينات الإنتخابية الكبرى التي اعتادت خوض غمار الإنتخابات الى البحث عن برامج جديدة لمقاربة المراحل التي فرضها القانون ومحاكاة التقسيمات الجديدة للدوائر الإنتخابية الخمسة عشر واعتماد النسبية على اساسها مع «الصوت التفضيلي» الواحد محصوراً بحجم القضاء وفق تقسيمات قانون الستين.
وقد عمدت هذه الماكينات الى تنظيم دورات تدريبية لكوادرها على كل المستويات القيادية والتنظيمية وصولاً الى آخر القواعد والمنتسبين الحزبيين في صفوفها في آخر قرية ودسكرة لبنانية وهو ما ترك مجالاً واسعاً للتشكيك في ما نصّ عليه القانون، والآلية التي على اللبنانيين اعتمادها للتصويت. وعزّزت ذلك مجموعة تصريحات لمسؤولين وقادة أحزاب سخروا من القانون شكلاً ومضموناً ونتائج مرتقبة.
ومن بين الآليات الجديدة التي فرضها القانون، بالإضافة الى إعادة النظر في نتائج استطلاعات الرأي والأحجام التي بُنيت على اساسها انتخابات العام 2009 ووجب وضعها في سلّة المهملات، وبسلوكية قادة الأحزاب واللوائح الذين اعتادوا تركيب البوسطات الإنتخابية وقيادتها الى ساحة النجمة، لم يتمكّن سوى «الثنائي الشيعي» من تجاوز التعقيدات الجديدة في مختلف المراحل، وحتى تلك المتصلة بتركيب اللوائح.
وهو أمرٌ يقاس بحجم تأثير هذا الثنائي على قواعده الناخبة وفي إدارة عملية الاقتراع، كذلك بالنسبة الى ما سيظهره من دقة في توزيع الاصوات التفضيلية بطريقة يفتقدها الآخرون من دون استثناء على رغم وجود بعض الأحزاب والجمعيات المتشدّدة كـ»الأحباش» و»الطاشناق» التي يمكنها أن تجاري هذه الثنائية في أدائها، ولو بنسبة ضئيلة.
وعليه، فقد غاصت الماكينات الإنتخابية الأخرى في إجراء كثير من المعادلات واستطلاعات الرأي للبحث عن ركاب اللائحة ورفاق الدرب على وقع سيل من المواقف التي رفعت من نسبة الغوغائية والديماغوجية في مقاربة العملية الإنتخابية التي لامست الشخصي من حياة بعض المرشحين وأحجامهم العائلية والمؤسساتية والمناطقية والخدماتية فبُنيت عليها المعادلات والمحاكات الجديدة لتركيب القوائم وإدارة مرحلة الترشيحات التي فاقت كل التوقعات.
ولذلك برزت الأرقام الكبيرة لعدد المرشحين لللإنتخابات، فتقدم من صناديق وزارة المال اكثر من 1060 شخصاً قطعوا «وثيقة الوصل المالي» بثمانية ملايين ليرة لبنانية. وانتقل 999 مرشحاً منهم الى وزارة الداخلية لتقديم طلبات الترشيح فرفض منها 23 طلباً لأسباب مختلفة لترسو الترشيحات الأخيرة على 976 مرشحاً من بينهم 111 إمراة سيخوضون السباق على 128 مقعداً نيابياً موزعاً على 15 دائرة انتخابية.
وتأسيساً على هذه النتائج والأرقام، لا يغفل المراقبون والخبراء في شؤون الإنتخابات وإدارة الرأي العام عند قراءة عدد المرشحين انسياق عدد منهم الى تسجيل طلبات الترشيح في هجمة لا سابق لها في تاريخ الإنتخابات، وقبيل انطلاق مرحلة تركيب اللوائح الإنتخابية في ظل غموض لا سابق له حول طريقة بلورتها وترجمتها لوائح منتظمة لا يمكن أيّ من المرشحين خوض الإنتخابات المقبلة من دون الإنخراط فيها.
وعلى هامش النقاش في عدد المرشحين، توقّف المراقبون عند عدد من الظواهر التي يعتقد البعض أنها مظهر من مظاهر الديموقراطية والتفلّت من رواسب القانون الانتخابي القديم، فظنّ البعض من بسطاء القوم وأذكيائهم أنه مشوار سهل قبل الإصطدام بالعوائق التي ستؤدّي الى تقليص عددهم النهائي بأكثر من ثلثه على الأقل إن لم يكن أكثر بقليل.
ولذلك فقد تعدّدت المشكلات التي واجهت بعض المرشحين ولا سيما منهم أولئك الذين رغبوا قراءة أسمائهم في لائحة واحدة مع بقية «الأقوياء» قبل سحب ترشيحاتهم ضمن المهل المحدّدة من دون أن يدرك كثيرون منهم فقدانَهم الحقّ باستعادة الملايين الثمانية التي دفعوها، عدا عن الذين سيسقطون بـ«الضربة القاضية لمجرد أنهم لم ينضمّوا الى لائحة إنتخابية.
والى هذه الظواهر، إنسحبت موجة الترشيحات على مجموعة «الحراك المدني» فإذا بأعدادهم ترتفع الى ما يفوق قدرة اللوائح على استيعابها، علماً أنّ البعض منهم انقاد خلف أحزاب وقيادات للإفادة من حجم المندوبين الذين سيخصَّصون لهم في أقلام الاقتراع او للتهرّب من تحالفات لا يريدونها، فإذا بعدد منهم أعضاء في لوائح السلطة بغية رفع الحاصل الإنتخابي وتجيير اصوات عائلاتهم ومحيطهم الأقرب العائلي والعشائري بعد شقّ الصفوف ولزيادة الأصوات التفضيلية لمَن استعان بهم متكفّلاً بالمعركة من «ألفها الى يائها» بما فيها رسم الترشيح مبلغ الملايين الثمانية، على حدّ ما عبّر بعض المرشحين أمام صناديق وزارة المال.
والى هذه الفئة من المرشحين تبرز فئةٌ أخرى غدر بها الزمن وعادت بعد أيام على قطع الوصل المالي لاستعادة الملايين الثمانية ففوجِئت باستحالة الخطوة لعدم الإشارة في القانون الجديد الى الإسترداد فشكّلت مصيدةً للبعض منهم، في وقت قد تُسوّى أوضاعُ مَن حصل على الوصل المالي ولم يتقدّم بترشيحه الى وزارة الداخلية، أو أولئك الذين رُفضت طلبات ترشيحهم الذين لا يزيد عددهم عن المئة.