أعلن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أكثر من مرة أن همّه الأساسي بل الأوّل هو تلافي وجود إيراني عسكري قوي ومؤذ على حدودها الشمالية الشرقية. كما حذّر في خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أيلول الماضي أن بلاده لن تقبل تطوير إيران صواريخ باليستية متقدمة وتصنيعها إياها في سوريا ولبنان. وأكد أنها ستتصرف لمنعها من إنشاء قواعد عسكرية دائمة برية وجوية وبحرية على الأراضي السورية. انطلاقاً من ذلك يعتقد عدد من الباحثين الأميركيين أن إسرائيل تبدو متمسكة بتوجيه رسائل عدة الى عدد من اللاعبين المهمين في المنطقة. أبرزهم نظام الأسد وإيران والولايات المتحدة وروسيا.
في رسالتها الى اللاعب الأول تقول أن انتصاره بدعم إيراني كبير مباشر أو بالوكالة ليس في مصلحتها الاستراتيجية والمعنوية. لكنها تبدو مدركة أنها غير قادرة على التأثير الحاسم في نتيجة الحرب الدائرة في سوريا. ولذلك فهي تركز أكثر على تعديل أو تغيير دور إيران فيها. وتحقيقاً لهذه الغاية فإنها تريد من دمشق أن تدرك الثمن الكبير الذي ستدفعه لقاء استضافتها قوات إيرانية في قواعدها العسكرية. طبعاً تعرف إسرائيل أن الأسد مدين جداً للإيرانيين الذين ساعدوه في المحافظة على حكمه، وتعرف تالياً أنه لا يستطيع أن يصدر إليهم أوامر. لكن إذا استمرت في دفع كلفة التدخّل الايراني فإنها ستجبر الأسد على الشعور أن عليه أن يطلب منهم مباشرة أو عبر روسيا التراجع. وقد أظهر النظام السوري إشارات الى محاولته إقناع إيران بالتروّي، وربما لهذا السبب أخّر توقيع أي التزامات عسكرية طويلة المدى معها. ويبدو في هذا المجال أن دمشق تميّز بين النشاطات العسكرية لنظام الأسد والدور الايراني الداعم لها. وقد أرسل مسؤولون عسكريون إسرائيليون رسائل الى الاسد عبر أطراف ثالثين أكدت أنهم لا يعارضون استعادته سوريا بقواته وحدها، لكنهم سينظرون الى ذلك على نحو مختلف إذا قام بذلك مع إيران و”حزب الله” والميليشيات الشيعية.
وفي رسالتها الى إيران حذّرت إسرائيل من أن جيشها لن يقبل نشاطاً عسكرياً لها أو منشآت تهدّدها، وأبلغت إليها أن ضرباتها الأخيرة كان لها هدف واحد وقف متابعة بناء بنية تحتية عسكرية في سوريا، مثل المرافئ والمطارات والقواعد لـ”حرسها الثوري” والمنشآت التي ينتج فيها “حزب الله” صواريخه الموجهة بدقة. وأشارت الى أن ضرباتها العسكرية لها في سوريا كانت تلك أهدافها.
وفي رسالتها الى الولايات المتحدة أبلغت إسرائيل إليها أنها لم تزوّدها مساعدة عسكرية لتنفيذ عمليات عسكرية ضد القوات الايرانية في سوريا، وذلك رغم إعلان إدارة ترامب تأييدها حقها في الدفاع عن نفسها. فواشنطن قالت أنها ستُبقي 2000 جندي شرقي نهر الفرات في شمال سوريا وشرقها وأبقتهم، لكن مهمتهم لا تزال غير واضحة باستثناء طبعاً إلحاق الهزيمة بـ”داعش”. كما أنها عملت على معالجة التوتر التركي – الكردي. لكن لا وجود لإشارات حسّية على الأرض إلى أن واشنطن تحاول جدياً الحدّ من نشاط إيران في سوريا رغم تصريحات وزير الخارجية تيلرسون بأن الوجود العسكري لبلاده يرمي الى كبح النفوذ الإيراني. طبعاً يأمل بعض عسكريي إسرائيل في أن يعقب انتقاد ترامب المستمر لإسرائيل جهد عسكري في سوريا. لكن غالبيتهم تشك في ذلك. إلا أن وجودها العسكري يمنع على الأقل أو سيحاول أن يمنع نقل الأسلحة الى “حزب الله” وأمثاله. ورغم ذلك فإن إسرائيل ستحرص على عدم دفع واشنطن الى تنفيذ عمل عسكري مباشر ضد مواقع عسكرية إيرانية. لكنها في الوقت نفسه تتساءل إذا كان التهديد بحرب واسعة مع إيران سيدفع أميركا وخوفاً من تزايد التدهور، الى دفع “محادثات جنيف” للبحث في تسوية للحرب السورية والى دفع واشنطن الى التنفيذ أكثر معها ومع تركيا.
أما الرسالة الرابعة فلروسيا. فإسرائيل بلسان مسؤولين عسكريين أساسيين فيها ترى في روسيا أملاً لكبح نشاطات إيران في سوريا أقلّه على المدى القريب. فنتنياهو زار رئيسها بوتين سبع أو ثمان مرات منذ تدخلها العسكري في سوريا. ونظراً الى تنافس روسيا وإيران على سوريا والى قلق الأولى من توسّع الحرب، فإن المسؤولين الاسرائيليين يأملون في أن يعتبر زملاؤهم الروس ضربات “جيش الدفاع” في سوريا نوعاً من الكبح لنفوذ إيران. وهم يعتقدون أن دمشق تحتاج الى روسيا أكثر من إيران وخصوصاً بعدما أنجزت مهمة المحافظة على الأسد. ويبدو هؤلاء مرتاحين لأن روسيا “تساهلت” مع ضربات إسرائيل في سوريا، ولأنها لم تسمح لإيران ببناء بنية تحتية عسكرية جديدة قرب منشآتها في طرطوس وحميميم. علماً أن ذلك هدف طالما تاقت الى تحقيقه إيران. فضلاً عن ان روسيا امتنعت عن استعمال نظامها المتطور للدفاع الجوي S400 لمنع الغارات الاسرائيلية على سوريا. طبعاً لا تلقي إسرائيل الأضواء على ذلك كله تلافياً لإحراج موسكو وحلفائها. علماً أنها حذرة وواعية عندما تفكّر في حدود النفوذ الروسي. وعلماً أيضاً أن روسيا لم تقم بعمليات عسكرية على منشآت إيرانية. في أي حال التحالف مع طهران يخدم المصالح الاقليمية لروسيا الآن، وأهداف بوتين أقرب الى إيران منها الى إسرائيل.
هل من خلاصة للرسائل الأربع؟
الخلاصة الأساسية هي أن إسرائيل، ورغم عدم سعيها الى تصعيد عسكري في سوريا، مصممة على منع إيران من تطوير قدرة عسكرية قادرة على تغيير المعادلة على حدودها الشمالية. ويعني ذلك استمرار الضربات الاسرائيلية رداً على متابعة إيران بناء قواعد لها هناك. وإذا فشلت في تحقيق هدفها فإن إسرائيل قد تلجأ الى الحرب الأكبر.