بالنسبة إلى «حزب الله»، سيكون الجميع «في الجَيْبة» بعد الانتخابات، وخصوصاً في المسائل الأساسية. وسيكون سهلاً التصويت للخيارات التي يريدها «الحزب»، لأنّ الغالبية ستتوافر: النواب الشيعة بغالبيتهم الساحقة، نواب 8 آذار كالحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث وأسامة سعد وعبد الرحيم مراد وفيصل كرامي وسواهم في بيروت وعكار، «التيار الوطني الحرّ، «المردة» وعدد من القوى المناطقية.
والى هؤلاء، يستطيع «الحزب» التعويل أحياناً كثيرة على نواب جنبلاط. ولا يمكن إهمال نواب الرئيس سعد الحريري إذا استمر في نهج التسوية الحالي. وهنا يضطلع الرئيس نبيه بري بدور أساسي في إقناع جنبلاط والحريري وسواهما. وفي الخلاصة، ستكون الأصوات الاعتراضية في المجلس المقبل ضعيفة: «القوات»، الكتائب، وبعض الحلفاء في 14 آذار.
هذه حقائق تعرفها القوى السياسية جميعاً. ولذلك، تفضِّل 14 آذار عدم تجرُّع هذه الكأس حالياً وأن تؤجّل الانتخابات لعلّ تطورات تطرأ وتساهم في تحسين ظروف المعركة. ولكن، إذا لم يقتنع «حزب الله» بأنّ المكاسب من إجراء الانتخابات أكبر من المكاسب في تأجيلها، فهو سيفرض إجراءها في 6 أيار، وهذا أمر سهل التحقيق.
يَطْمَئنُّ «حزب الله» إلى أنّ ما من قوة، في المجلس المقبل، ستكون قادرة على إزعاجه، إلّا إذا تغيّر المناخ في الشرق الأوسط كله في غير مصلحة إيران. عندئذٍ، سيضعف «الحزب» في لبنان ويتفلَّت منه الذين يمشون معه اليوم «اضطرارياً» أو «واقعياً»، وهؤلاء لا يُستهان بأحجامهم.
إذا تبدّل الميزان في سوريا والعراق وسائر المنطقة في غير مصلحة إيران، واشتدّت الضغوط الأميركية والدولية على «الحزب» وكل الذين يقيمون علاقةً به، فسيجد «الحزب» نفسه مضطراً إلى التمسّك بأكبر تغطية داخلية وتحصين حمايته داخل المجلس النيابي والحكومة، فيما سيعمد كثيرون إلى التنصّل من «الحزب» أو «تحييد» أنفسهم على الأقل.
من هنا يبدو حرص «حزب الله» على أن تكون الأولوية في الانتخابات المقبلة للتفاهم داخل البيت الشيعي، بحيث لا يخسر «الثنائي» أيّاً من مقاعد الطائفة، إلّا واحداً أو اثنين اضطراراً. ولذلك، حرص الطرفان على ملء المقاعد الشيعية باكراً، وقبل الجميع، بمرشحين في كل الدوائر، واستباقاً لأيّ ضغوط أو وساطات مع الحلفاء، في أيّ دائرة. والأبرز في هذه المسألة هو العلاقة مع «التيار الوطني الحرّ».
عندما يعلن «الحزب» أنه سيتحالف في الانتخابات النيابية مع بري في الدرجة الأولى، ثم يختار تحالفاته الأخرى، فهذا يعني أنّ مشكلةً عميقةً لا بدّ أن تقع بينه وبين «التيار الوطني الحرّ». فمناطق التماس المسيحية - الشيعية كثيرة. كما يمكن أن تقع مشكلة بينهما في مناطق لا تماس فيها بين ناخبي الطائفتين.
وفي أيّ حال، لا يستطيع «التيار» أن يعترض على أولوية تحالف «الحزب» مع بري، لأنه هو نفسه ينسِّق تحالفاته مع خصمين سياسيين لـ«حزب الله»:
السنّي تيار «المستقبل» والمسيحي «القوات اللبنانية»، وفقاً لما تقتضيه المصلحة. فـ«الخيانات» في المعركة الانتخابية الآتية لا تقتصر على طرف دون آخر.
إذاً، هناك «كباش» حقيقي بين «حزب الله» و«التيار» في دوائر مختلفة. وجاء انفجار الأزمة بين الوزير جبران باسيل وبري في توقيت حسّاس، لأنه سيزيد سخونة العلاقات بين باسيل و«الحزب».
لقد سارع باسيل، في ذروة الانفجار الجديد للوضع مع بري، إلى توجيه رسائل إلى «الحزب» من جبيل، مفادها أنّ على الحليف أن يحترم تمثيلنا في المناطق التي نحن فيها أكثرية كما نحن نحترم تمثيله في المناطق التي يكون فيها هو الأكثرية. والمقصود هنا طرح «الحزب» مرشحاً شيعياً حزبياً عن جبيل، من دون تنسيق مع «التيار»، وهو من الهرمل لا من القضاء.
وجبيل هي واحدة من نقاط الخلاف بين ركنَي تفاهم مار مخايل. لكن هناك نقاطاً أخرى لا تقل أهمية:
- في دائرة صيدا- جزين، يلتزم «الحزب» اصطفافاً انتخابياً في مواجهة «التيار»، وإلى جانب بري. والمعركة هناك لها رمزيّتها. فـ»الحزب» سيشارك بري عملية استرجاع مقعد ماروني في جزين التي لطالما راهن باسيل على «تحريرها» من يد بري.
- في دائرة بعلبك - الهرمل، يطالب «التيار» بتسمية الماروني والكاثوليكي، لكنّ اتّجاه «الحزب» هو تركيب لائحة كاملة مع حركة «أمل» والحزبَين «القومي» و«البعث». ويتردّد أنّ «التيار» قد يردّ بالتحالف مع الرئيس حسين الحسيني وقوى عائلية، علماً أنّ «القوات» تستأثر بجزء كبير من الأصوات التفضيلية المسيحية في الدائرة. فهل تتحالف «القوات» و«التيار» هناك، ووفق أيِّ حصص؟
- في دائرة الشمال المسيحية، الثانية (البترون، الكورة، زغرتا وبشري)، هناك أهمية لموقف «حزب الله». فهو يمون على قوى فاعلة في الدائرة من 8 آذار (أبرزها القومي وزعامات مناطقية). واختيار الحزب أن يصطفّ إلى جانب النائب سليمان فرنجية لا إلى جانب باسيل سيترك تداعياته على المعركة هناك.
لكنّ «التيار» مربَك في تحالفاته في هذه الدائرة. فعلاقته مع «القوات» ليست مريحة، ومع «المستقبل» ليست مضمونة خصوصاً في ظلّ المسعى السعودي للتقريب بين الحريري و«القوات». ولا داعي لشرح حجم الخسارة الرمزية التي يمكن أن تصيبَ رئيس أكبر تيار سياسي مسيحي، هو تيار رئيس الجمهورية، إذا لم ينجح هذه المرة أيضاً في البترون.
- في دائرة مرجعيون- حاصبيا- النبطية وبنت جبيل، يتصرف «الثنائي الشيعي» من منطلق أنها محسومة لهما، ولا يجوز الخرق فيها. وبين مقاعد الدائرة الـ11، يصرّ «الحزب» وحركة «أمل» على أن يكون المقعد المسيحي الوحيد، الأورثوذكسي، للحزب القومي عبر النائب أسعد حردان.
وقد سُدَّت الأبواب أمام محاولات «التيار» للحصول على هذا المقعد. وسيعمل الثنائي على رفع نسبة الاقتراع ليكون الحاصل الانتخابي قريباً من 25 ألف صوت (الناخبون نحو 450 ألفاً)، ما يجعل خرق اللائحة أكثر صعوبة. ويمكن تحقيق خرق بمقعد واحد إذا تعاونت القوى اليسارية وآل الأسعد والتيار وقوى عائلية أخرى. لكنّ هذا التعاون ليس مضموناً.
- هناك دوائر قيد التفاوض بين «التيار» و»الحزب»، كزحلة والمتن والشوف وعاليه. ولكنّ المهمة تبدو معقّدة. التفاهم في بعبدا يبدو سهلاً، لأنه لمصلحة الطرفين.
وثمّة مشاورات جارية بين «الحزب» و«التيار» على مستوى الكوادر لتنسيق اللوائح، لكنّ بلوغ النتائج يصطدم بالتوتر المستجدّ مع بري، ومع «الحزب» أيضاً، من خلال الرسائل السياسية التي يوجّهها باسيل. والوقت ضاغط لأنّ أمام الجميع 20 يوماً حاسمة لبلورة اللوائح.
ولكن، في أيّ حال، لا يخشى «حزب الله» على وضعه السياسي في المجلس المقبل، إلّا إذا تغيّرت معادلات القوة الإقليمية في الشرق الأوسط وانقطع الجسر الإيراني العابر سوريا إلى لبنان. وأما «التيار» فهو قلِق من تقليص حجم الكتلة الداعمة لرئيس الجمهورية، ما يؤدّي إلى إضعاف العهد في سنواته الأربع الآتية. وإنّ الربيعَ لناظره قريب.