نجحت الوساطة الأميركية ــ الإماراتية ــ الفرنسية في إعادة العلاقة بين السعودية والرئيس سعد الحريري إلى سابق عهدها في السنوات الماضية، بوصف الحريري الحليف الأوّل للسياسة السعودية في لبنان؛ فالسعودية التي تعرّضت لخسائر كبيرة في الساحات العربية، من تونس إلى اليمن إلى سوريا والعراق، وتحاول اليوم بدعم إماراتي ــ أميركي استعادة أدوارها العربية، اقتنعت قبل زيارة الحريري بأن إدارة الملفّ اللبناني بالشكل الذي ظهر مع اختطاف رئيس الحكومة اللبناني وإجباره على الاستقالة، تعطي حزب الله هامشاً أكبر من النفوذ، وتسبّب خسائر للمحور الأميركي من البوابة السعودية.

وعلى هذا الأساس، جرى استغلال الزيارة المقرّرة مسبقاً لمدير جهاز أمن الدولة الإماراتي حمد الشامسي إلى لبنان، لترتيب الأجواء بين الحريري وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي يحرص ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد على مدّ يد العون إليه كلّما دعت الحاجة، من الساحات العربية ولبنان وصولاً إلى انتشاله من حملة الانتقادات التي طالته على خلفية شرائه لوحة للرسام ليوناردو دافنشي بحوالى نصف مليار دولار، وبمسارعة الإماراتيين إلى القول إن ابن سلمان دفع ثمنها لأجل متحف «اللوفر» في أبو ظبي، وهي لم تعرض في المتحف حتى الساعة.
ساعات قليلة أمضاها الشامسي في بيروت آتياً من باريس، تناول خلالها الغداء مع الحريري، ثم عقد اجتماعاً أمنياً في مكتب الوزير نهاد المنشوق بحضور بعض قادة الأجهزة الأمنية، كانت كافية ليخرج الشامسي بتصوّر عن استعداد الحريري للعودة إلى الكنف السعودي، الذي لم يغادره إلّا إلى الحضن الأميركي ــ الفرنسي.
وبحسب المعلومات، فإن زيارة الشامسي، وما تلاها من زيارة الحريري للسعودية، هدفها تحقيق ثلاثة عناوين: مصالحة سنيّة لبنانية ــ سعودية بعد أجواء الامتعاض التي خلّفها احتجاز الحريري على جمهور تيار المستقبل وبيئته في لبنان، مصالحة رسميّة لبنانية ـــ سعودية بدأت بالزيارة «الوديّة» للموفد السعودي إلى لبنان والمكلف بالملفّ اللبناني نزار العلولا إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، ومواجهة حزب الله بأساليب «أكثر حرفيّة» من المواجهة المباشرة التي بدأتها السعودية باحتجاز الحريري ثمّ انقلبت عليها. وتتضمن مواجهة حزب الله «استيعاب» حركة الحزب وامتصاصها ومحاولة عزله عن حلفائه، والعمل على احتضان التيار الوطني الحرّ والوزير جبران باسيل، والدفع نحو تراكم الملفات الخلافية بين الحزب والتيار الوطني الحر.

 

ومن المفترض أن يصل العلولا إلى بيروت خلال الساعات المقبلة، لاستكمال النقاشات التي بدأها الحريري في السعودية.
وحتى مساء أمس، لم يكن الحريري قد قال أمام زوّاره، النائب وليد جنبلاط والوفد المرافق وأمام وزير الإعلام ملحم الرياشي، أكثر مما قاله في اجتماع اللجنة الوزارية المكلّفة بدراسة مشروع قانون موازنة 2018 حول زيارته السعودية، وأكثر ممّا قاله بعد لقائه أمام الإعلام بعد لقائه جنبلاط. وحرص الحريري من خلال تصريحاته على الإشارة إلى أن الزيارة للسعودية لم تغيّر في سياساته الداخلية ولا في تحالفاته، ولا في قراره التحالف مع الأفرقاء الآخرين على أساس المصلحة الانتخابية.
وفيما حسم الحريري علناً تحالفه مع جنبلاط في كل الدوائر المشتركة، ترك هامشاً لتحالفه مع القوات اللبنانية ومع التيار الوطني بناءً على المصلحة الانتخابية، مع تأكيده على «العلاقة الاستراتيجية مع القوات اللبنانية». وهذا المنطق هو المنطق ذاته الذي وضعه الحريري أمام السعوديين، لناحية ضرورات التحالف الانتخابي مع التيار الوطني الحر في بعض الدوائر التي يؤمّن التحالف فيها مصلحة تيّار المستقبل.
مصادر القوات اللبنانية أكّدت لـ«الأخبار» أن لقاء الحريري ــ الرياشي «كان إيجابياً جداً وتناول البحث تعزيز التحالف السياسي بين الطرفين». وقالت المصادر إن «النقاش يجري حول التحالف في عددٍ من الدوائر، مثل البقاع الشمالي والغربي وزحلة وعكّار وعاليه ــ الشوف، من دون أن يحسم شيء حتى الساعة». في المقابل، أشارت مصادر مطلعة على اللقاء الذي استمر نحو ساعة إلى أن الحريري أبلغ رياشي أنه مستعد للتحالف مع القوات في عكار، حيث إمكان التحالف أسهل من باقي الدوائر، وفي زحلة، حيث يضع تيار المستقبل التحالف مع رئيسة الكتلة الشعبية ميريام سكاف على رأس أولوياته، وفي الشوف ــ عاليه حيث اتجاه الأمور مرتبط أيضاً بتحالفه الثابت مع النائب وليد جنبلاط، وفي البقاع الشمالي. وأوضح الحريري لرياشي، بحسب المصادر، أن تيار المستقبل سيكون إلى جانب التيار الوطني الحر في دائرة الشمال الثالثة (البترون ــ الكورة ــ زغرتا ــ بشرّي)، مع ارتفاع حظوظ أن يتحالفا أيضاً في بيروت الاولى (الأشرفية ــ الرميل ــ المدور ــ الصيفي).
وعلمت «الأخبار» أن الاتصالات استمرت ليلاً، وكذلك إجراء «العمليات الحسابية» في بعض الدوائر لحسم المصلحة في التحالف من عدمه وجوجلة أسماء المرشّحين. ومن المنتظر أن يزور الوزير غطاس خوري مقرّ إقامة رئيس القوات سمير جعجع في الـ 48 ساعة المقبلة، لاستكمال التحضيرات للقاء الحريري ــ جعجع. وفيما تحفّظت القوات على الإفصاح عن دورٍ سعودي في إعادة علاقة القوات مع الحريري إلى سابق عهدها، اكتفت المصادر بالقول: «القوات في السعودية خطّ أحمر».
وليل أمس، عقد الحريري سلسلة اجتماعات بدأها مع فريقه اللصيق لوضعهم في أجواء الزيارة السعودية، بالتزامن مع حضور عددٍ من قادة التيار ومرشّحيه إلى منزل الحريري في وسط بيروت. واستمرت الاتصالات مع المرشّحين المفترضين لتيار المستقبل في مختلف الدوائر حتى ساعات متأخرة من ليل أمس، فيما طُلب إلى البعض انتظار اتصال من الحريري في غضون الساعات المقبلة لتبليغه تبنّي ترشيحه من عدمه.
من جهة أخرى، قرر الحريري ترشيح شخص ثان في صيدا، إلى جانب النائبة بهية الحريري، وعلمت «الأخبار» أنه لن يكون رئيس بلدية صيدا السابق عبد الرحمن البزري.
على المقلب الآخر، عقد اجتماع انتخابي بين الوزير جبران باسيل ورئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، جرى خلاله استعراض إمكانية التحالف في الدوائر المشتركة بين الطرفين، مع تأكيد مصادر اطّلعت على أجواء اللقاء أن «حزب الله يحرص على احتضان باسيل انتخابياً». وعلمت «الأخبار» أنه جرى الاتفاق على التحالف في البقاع الغربي وفي دائرة بيروت الثانية، ولا يزال النقاش دائراً في البقاع الغربي بعد طلب باسيل الدخول في لائحة الوزير السابق عبد الرحيم بمرشحين، ماروني وأورثوذكسي، إلّا أن الرئيس نبيه برّي لم يوافق على هذا الطرح حتى الآن، بينما تتجه الأمور نحو تبنّي مرشّح التيار الوطني الحرّ في بيروت الثانية على حساب مرشّح الحزب السوري القومي الاجتماعي عن المقعد الانجيلي. أما في البقاع الشمالي، فتعذر الاتفاق حتى الآن مع إصرار باسيل على مرشّحَين أيضاً، ماروني وكاثوليكي مكان الوزير السابق ألبير منصور، فيما يتجّه باسيل إلى تشكيل لائحة في مواجهة حزب الله وحركة أمل في دائرة حاصبيا ــ مرجعيون، وهو يجري للغاية اتصالاته مع النائب طلال أرسلان لدعم اللائحة ورفدها بمرشّح درزي، إلى جانب مرشّح التيار الوطني الحر الأورثوذكسي في مواجهة النائب أسعد حردان. ولم يعرف بعد إن كان أمر التحالف بين باسيل والحريري قد حُسم في هذه الدائرة، التي ينوي الحريري فيها دعم مرشّح سنّي لاختراق لائحة الثنائي والفوز بمقعد النائب قاسم هاشم.